للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر عاصيا بدلا عن قوله: لو كان العصيان ترك الأمر، وأيضا فينبغي أن يقول في الجواب قلنا: الأول ماض والثاني حال أو مستقبل؛ لأن الثاني مضارع وهو يصلح للحال والاستقبال، والأول لا يصلح لكون ماضيا ولم يتعرض في المحصول لذكر الحال. الاعتراض الثاني: لا نسلم المقدمة الثانية؛ لأن المراد بالعصاة في الآية هم الكفار لا تارك الأمر لقرينة الخلو، فإن غير الكفار لا يخلد في النار كما تقرر في علم الكلام، وجوابه أن الخلود لغة هو المكث الطويل سواء كان دائما أو غير دائم، أي: يكون حقيقة في القدر المشترك حذرا من الاشتراك والمجاز, ويدل على ما قلناه قولهم: خلد الله ملك الأمير. الدليل الخامس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا أبا سعيد الخدري وهو في الصلاة فلم يجبه فقال: "ما منعك أن تجيب وقد سمعت الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا} [الأنفال: ٢٤] الآية؟ " ١ وهذا الاستفهام ليس على حقيقته؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنه في الصلاة كما نقله ابن برهان وغيره، فتعين أن يكون للتوبيخ والذم حينئذ، فالذم عند ورود الأمر دليل على أنه للوجوب، واعلم أن المصنف ذكر أن أبا سعيد هذا هو الخدري وهو غلط تبع فيه صاحب الحاصل وصاحب الحاصل تبع الإمام في المحصول والإمام تبع الغزالي في المستصفى، والصواب أنه أبو سعيد بن المعلى, كذا وقع في صحيح البخاري في أول كتاب التفسير، وفي سنن أبي داود في الصلاة وفي جامع الأصول في كتاب الفضائل وفي غيرها أيضا، واسمه الحارث بن أوس بن المعلى الأنصاري الخزرجي الرزقي، واسم الخدري: سعد بن مالك بن سنان من بني خدرة, أنصاري خزرجي أيضا, وقد وقع على الصواب في بعض نسخ الكتاب وهو من إصلاح الناس. قال:

"احتج أبو هاشم بأن الفارق بين الأمر والسؤال هو الرتبة والسؤال للندب، فكذلك الأمر. قلنا: السؤال إيجاب وإن لم يتحقق, وبأن الصيغة لما استعملت فيهما, والاشتراك والمجاز خلاف الأصل, فتكون حقيقة في القدر المشترك. قلنا: يجب المصير إلى المجاز لما بينا من الدليل, وبأن تعرف مفهومها لا يمكن بالعقل ولا بالفعل؛ لأنه لم يتواتر والآحاد لا تفيد القطع. قلنا: المسألة وسيلة إلى العمل فيكفيها الظن وأيضا يتعرف بتركيب عقلي من مقدمات نقلية كما سبق". أقول: ذكر المصنف هنا أدلة ثلاثة, واختلف النسخ في التعبير عن المحتج بها, ففي أكثرها احتج أبو هاشم كما ذكره وهو غير مستقيم؛ لأن الثالث لا يطابق مذهبه ولا الثاني على أحد التقريرين الآتيين وفي بعضها احتج المخالف وهو صحيح مطابق لتعبير الإمام, وفي بعضها احتجوا وهو قريب مما قبله وهما من إصلاح الناس. الدليل الأول: وهو احتجاج أبي هاشم على أن افعل حقيقة في الندب، وتقريره أن أهل اللغة قالوا: لا فارق بين السؤال والأمر إلا في الرتبة فقط أي: إن رتبة الأمر أعلى من رتبة السائل، والسؤال إنما يدل على الندب فكذلك الأمر


١ أخرجه أبو داود، كتاب الوتر, باب "١٥"، والنسائي من كتاب الافتتاح, باب "٢٥".

<<  <   >  >>