للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن الأمر لو دل على الإيجاب لكان بينهما فرق آخر وهو خلاف ما نقلوه, وجوابه أن السؤال يدل على الإيجاب أيضا؛ لأن أهل اللغة وضعوا افعل لطلب الفعل مع المنع مع الترك عند من يقول: الأمر للإيجاب، وقد استعملها السائل لكنه لا يلزم منه الوجوب, إذ الوجوب لا يثبت إلا بالشرع فلذلك لا يلزم المسئول القبول من السائل، ولقائل أن يقول على تقدير أن يدل السؤال على الإيجاب، فيلزم أن يفترقا من وجه آخر؛ لأن إيجاب الأمر دال على الوجوب بخلاف إيجاب السؤال, وقد يجاب بأن المعنى بالرتبة هو كون إيجاب الأمر يقتضي الوجوب بخلاف السؤال وفيه نظر، فإنهما مدلولان متغايران, ولك أن تمنع ما ذكره من تفريقه بالرتبة, فإنه مذهب المعتزلة كما تقدم، بل الفرق أن السؤال أمر صادر بتذلل، والأمر أعم، وقد يترتب الوجوب على إيجاب السؤال كسؤال العطشان، وقد لا يترتب على إيجاب الأمر كطلب السيد من عبده ما لا يقدر عليه, فتخلص أنها سواء في الإيجاب والوجوب. قوله: "وبأن الصيغة" معطوف على قوله: بأن الفارق, وتقريره من وجهين أحدهما: أن الصيغة قد استعملت في الوجوب كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} وفي الندب كقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] فإن كانت موضوعة لكل لزم الاشتراك أو لأحدهما فقط فيلزم المجاز، فتكون حقيقة في القدر المشترك وهو طلب الفعل دفعا للاشتراك والمجاز. وعلى هذا التقرير يكون دليلا للقائل بأنها حقيقة في القدر المشترك وهو مدلول كلام المصنف, لكن عطفه على دليل أبي هاشم فاسد. التقرير الثاني وهو تقرير الإمام وأتباعه كلهم: أن نضم إلى التقرير الأول زيادة أخرى فنقول: والدال على المعنى المشترك وهو الأعم غير دال على الأخص, فيكون لفظ الأمر غير دال على الوجوب ولا على الندب بل على الطلب, وجواز الترك معلوم بالبراءة الأصلية, فتحصلنا على طلب الفعل مع جواز الترك, ولا معنى للندب إلا ذلك، وعلى هذا فيصح عطفه على دليل أبي هاشم لكنه بعيد من كلام المصنف, وجوابه: أن المجاز وإن كان على خلاف الأصل لكنه يجب المصير إجماعا إذ دل عليه دليل، وههنا كذلك للأدلة الخمسة التي أقمناها على أنه حقيقة في الوجوب فقط. وقوله: "وبأن تعرف ... إلخ" هذا دليل الغزالي وموافقيه على التوقف, وقد تقدم أن عطفه على دليل أبي هاشم لا يصح, وتقريره أن الطريق إلى معرفة مدلول افعل إما أن يكون بالعقل وهو محال؛ لأنه لا مجال له في اللغات، وإما بالنقل المتواتر وهو محال أيضا، وإلا لكان بديهيا حاصلا لكل أحد من هذه الطائفة فلا يبقى بينهم نزاع, وإما بالآحاد وهو باطل لأن الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن, والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين وكذلك قواعد أصول الفقه, كما نقله الأنباري شارح البرهان عن العلماء قاطبة؛ وذلك لفرط الاهتمام بالقواعد، وإذا انتفت طرق المعرفة تعين الوقف، وأجاب المصنف بوجهين أحدهما: لا نسلم أنها علمية؛ لأن المقصود من كون الأمر للوجوب

<<  <   >  >>