للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما هو العمل به لا مجرد اعتقاده, والعمليات مظنونة يكتفي فيها بالظن فكذلك ما كان وسيلة إليها، هذا هو الصواب في تقريره وأما قول بعض الشارحين أنه يكتفي فيها بالظن مع كونها علمية لكونها وسيلة للعمل فباطل؛ لأن المعلوم يستحيل إثباته بطريق مظنونة، وقد منع في المحصول أيضا كونها علمية ولم يذكر تعليل المصنف بل قال: لأنا بينا أنه لا تعين في المباحث اللغوية وذلك لتوقفها على نفي الاحتمالات العشرة. ونفيها ما ثبت إلا بالأصل الثاني لا نسلم الحصر؛ لأنا قد نتعرفه بتركيب عقلي من مقدمات نقلية كقولنا: تارك الأمر عاص, وكل عاص يستحق النار فإنه يدل على أن الأمر للوجوب وقد تقدم ذكره في الدليل الرابع من هذه المسألة. وقولنا: إن الجمع المحلى بالألف واللام يدخله الاستثناء وإن الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله, فإنه يدل على أن الجمع المحلى للعموم كما تقدم في آخر الفصل الأول من باب اللغات، وذلك بالطريق الذي قلناه؛ لأن نفس المقدمتين نقلية وتركيبهما تركيب عقلي علم من العلوم العقلية, وعبر الإمام في المحصول والمنتخب عن هذا بقوله: إنه يعرف بدليل مركب من العقل والنقل, فأورد عليه أن هذا الدليل نقل محض لأن المقدمتين نقليتان وحظ العقل إنما هو تفطنه لاندراج الصغرى في الكبرى؛ فلذلك عدل صاحب الحاصل إلى ما تقدم وتبعه عليه المصنف، وقول المصنف كما سبق يحتمل كلا من المثالين المتقدمين، والأول أولى للتصريح به في الحاصل والمحصول, ولكونه دليلا على نفس المسألة المتنازع فيها، ولأنه أقرب. وعن هذا الدليل جواب ثالث لم يذكره المصنف ينفع في مواضع, وهو التزام حصوله بالتواتر, ولا يلزم منه رفع الخلاف لأنه قد يصل إلى بعضهم بكثرة المطالعة لأقضيتهم وتواريخهم, وغيره لم يشتغل بذلك فيقع الخلاف, ولقائل أن يقول: ينبغي للمصنف على طريقة الجدليين تقديم جوابه الثاني على الأول كما فعل في الحاصل والمحصول، فيقول: أولا لا نسلم الحصر, سلمنا لكن نختار تعرفه بالآحاد، وذلك لأن الثاني فيه تسليم للحصر فلا يحسن منه منعه بعد ذلك فإن قيل: دعواه أنه يعلم بتركيب عقلي من مقدمات نقلية لا يدفع السؤال؛ لأن هذه المقدمات النقلية إما أن يكون نقلها بالتواتر أو بالآحاد، ويعود السؤال بعينه وجوابه باختيار التواتر، ولا يلزم منه أن يعرف كل أحد أنه للوجوب, وإنما يلزم ذلك أن لو كان التركيب العقلي ضروريا وهو ممنوع. قال: "الثالثة: الأمر بعد التحريم للوجوب وقيل: للإباحة. لنا أن الأمر يفيده، ووروده بعد الحرمة لا يدفعه. قيل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] للإباحة قلنا: معارض بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: ٥] واختلف القائلون بالإباحة في النهي بعد الوجوب". أقول: إذا فرعنا على أن الأمر للوجوب فورد بعد التحريم ففيه مذهبان, أصحهما عند الإمام وأتباعه، ومنهم المصنف أن يكون أيضا للوجوب ونقله ابن برهان في الوجيز عن القاضي والآمدي عن المعتزلة, والثاني أنه يكون للإباحة وهو الذي نص عليه الشافعي كما نقله

<<  <   >  >>