للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه القيرواني في كتاب المستوعب وابن التلمساني في شرح المعالم١ والأصفهاني في شرح المحصول٢ ونقله ابن برهان في الوجيز عن أكثر الفقهاء والمتكلمين, ورجحه ابن الحاجب وتوقف إمام الحرمين وصرح أيضا به الآمدي في الأحكام ومع ذلك فله ميل إلى الإباحة, قال عقبه: واحتمال الإباحة أرجح نظرا لغلبته, قال في المحصول: والأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد التحريم وذلك بأن استأذن على فعل شيء فقال له: افعله, واستدل المصنف على الوجوب بأن الأمر يفيده إذ التفريع عليه ووروده بعد الحرمة ليس معارضا حتى يدفع ما ثبت له؛ لأن الوجوب والإباحة منافيان للتحريم ومع ذلك لا يمتنع الانتقال من التحريم إلى الإباحة فكذلك الوجوب احتج الخصم بورودها للإباحة كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٤٢] ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} . وفي الحديث: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها, وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث, فكلوا وادخروا" ٣ وجوابه أن هذه الأدلة معارضة بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} فإن القتال فرض كفاية بعد أن كان حراما, وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: "فإذا أدبرت الحيضة, فاغسلي عنك الدم وصلي" ٤ فإذا تعارضا تساقطا وبقي دليلنا سالما عن المنبع فيفيد الوجوب. قوله: "واختلف القائلون" يعني: إن القائلين بالإباحة في الأمر الوارد بعد الحظر اختلفوا في النهي الوارد بعد الوجوب, فمنهم من طرد القياس وحكم بالإباحة؛ لأن تقدم الوجوب قرينة, ومنهم من حكم بأنه للتحريم كما لو ورد ابتداء بخلاف الأمر بعد التحريم, والفرق في وجهين أحدهما: أن حمل النهي على التحريم يقتضي الترك وهو على وفق الأصل؛ لأن الأصل عدم الفعل وحمل الأمر على الوجوب يقتضي الفعل وهو خلاف الأصل. الثاني: أن النهي لدفع المفسدة المتعلقة بالمنهي عنه والأمر لتحصيل المصلحة المتعلقة بالمأمور واعتبار الشرع بدفع المفاسد أكثر من جلب المصالح, وأما القائلون: إن الأمر بعد التحريم للوجوب فلا خلاف عندهم أن النهي بعد الوجوب للتحريم. قال: "الرابعة: الأمر المطلق لا يفيد التكرار ولا يدفعه وقيل: للتكرار، وقيل: للمرة, وقيل: بالتوقف للاشتراك أو الجهل بالحقيقة. لنا تقييده بالمرة والمرات من غير تكرار ولا نقض, وأنه ورد مع التكرار ومع عدمه فيجعل حقيقة في القدر المشترك وهو طلب الإتيان به دفعا للاشتراك والمجاز. وأيضا لو كان للتكرار لعم الأوقات, فيكون تكليفا بما لا يطاق ولنسخه كل تكليف بعده لا يجامعه". أقول: إذا ورد الأمر مقيدا بالمرة أو بالتكرار حمل عليه, وإن ورد مقيدا بصفة


١ شرح المعالم في أصول الفقه للرازي، وهو لشرف الدين أبي محمد عبد الله بن محمد بن علي الفهري, المعروف بابن التلمساني "كشف الظنون: ١٧٢٧".
٢ شرح المحصول في علم الأصول للرازي, وهو لشمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني، المتوفى سنة "٦٧٨هـ", وهو حافل, ومات ولم يكمله كما ذكره السبكي وأبو العباس القرافي.
٣ أخرجه الهندي في كنز العمال "٤٢٥٥٤", والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "١/ ٢٤٥".
٤ أخرجه الدارمي في سننه "١/ ١٩٨".

<<  <   >  >>