للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو شرط فسيأتي أنه يتكرر قياسا لا لفظا، وإن كان مطلقا أي: عاريا من هذه القيود ففيه مذاهب، أحدها: أنه لا يدل على التكرار ولا على المرة بل يفيد طلب الماهية من غير إشعار بتكرار أو مرة إلا أنه لا يمكن إدخال تلك الماهية في الوجود بأقل من المرة الواحدة فصارت المرة من ضروريات الإتيان بالمأمور به، لا جرم أنه يدل عليها من هذا الوجه، وهذا المذهب اختاره الإمام وأتباعه ونقله عن الأقلين, واختاره أيضا الآمدي وابن الحاجب والمصنف وعبر عن المرة بقوله: ولا يدفعه لأنه لو كان للمرة لكان دافعا للتكرار؛ لأنهما متقابلان. الثاني: أنه يدل على التكرار المستوعب لزمان العمل وهو رأي الأستاذ وجماعة من الفقهاء والمتكلمين, لكن بشرط الإمكان كما قاله الآمدي. الثالث: يدل على المرة وهو قول أكثر أصحابنا, كما حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع، ونقل القيرواني في المستوعب عن الشيخ أبي حامد أنه مقتضى قول الشافعي. الرابع: أنه مشترك بين التكرار والمرة فيتوقف أيضا, واختار إمام الحرمين التوقف, ونقل عنه ابن الحاجب المذهب الأول تبعا للآمدي وليس كذلك فافهمه. قوله: "لنا" أي: الدليل على ما قلناه من ثلاثة أوجه, أحدها: أنه يصح أن يقال: افعل ذلك مرة أو مرات وليس فيه تكرار ولا نقض إذ لو كان للمرة لكان تقييده بالمرة تكرارا وبالمرات نقضا، ولو كان للتكرار لكان تقييده به تكرارا وبالمرة نقضا, وهذا الدليل لا يثبت به المدعى؛ لأن عدم التكرار والنقض قد لا يكون لكونه موضوعا للماهية من حيث هي, بل لكونه مشتركا أو لأحدهما, ولا نعرفه كما قد قيل به, فيكون التقييد للدلالة على أحدهما. الثاني: أن الأمر المطلق ورد تارة مع التكرار شرعا كآية الصلاة، وعرفا نحو: احفظ دابتي، وورد تارة للمرة شرعا كآية الحج، وعرفا كقوله: ادخل الدار، فيكون حقيقة في القدر المشترك بين التكرار والمرة وهو طلب الإتيان بالفعل، مع قطع النظر عن التكرار والمرة؛ لأنه لو كان حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك، وإن كان في أحدهما فقط لزم المجاز وهما خلاف الأصل. وهذا الدليل قد استعمله الإمام وأتباعه في مواضع كثيرة وفيه نظر؛ لأنه إذا كان موضوعا لمطلق الطلب ثم استعمل في طلب خاص فقد استعمل في غير ما وضع له؛ لأن الأعم غير الأخص, ولكنه مشتمل على ما وضع له فيجوز على سبيل المجاز. وأيضا فلأن الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني الذهنية كما تقدم، فإذا استعمل فيما تشخص منها في الخارج فيكون مجازا؛ لأنه غير ما وضع له فاستعمال الأمر في المقيد بالتكرار وبالمرة مجاز لما قلناه، ففر من مجاز واحد فوقع في مجازين، وهذا البحث يجري في سائر الألفاظ الموضوعة لمعنى كلي, وإن كان مستبعدا لكن القواعد قد أدت إليه، وقد صرح الآمدي في الأحكام بموافقة ما ذكرته، فقال في أوائل الكتاب في القسمة الثانية جوابا عن سؤال ما نصه: لأنه لا يخفى أن حقيقة المطلق مخالفة لحقيقة المقيد من حيث هما كذلك, فإذا كان لفظ الدابة حقيقة في مطلق دابة فاستعماله في الدابة

<<  <   >  >>