واحتجوا بأنه لو كان حقيقة لكان مطردا، وليس كذلك بدليل معاني الأعلام كلها, ولأن العموم هو شمول أمر واحد لمتعدد كشمول معنى الإنسان وعموم المطر حصل في جزء من أجزاء الأرض. والثالث: أنه لا يصدق عليه لا حقيقة ولا مجازا حكاه ابن الحاجب، إذا علمت هذه المقدمة فليرجع إلى الحد فقوله: لفظ جنس، وقد تقدم غير مرة أن الكلمة أولى منه لكونه جنسا بعيدا بدليل إطلاقه على المهمل والمستعمل مركبا كان أو مفردا بخلاف الكلمة، ويؤخذ من التعبير باللفظ أن العموم عند المصنف ليس من عوارض المعاني، لكنه قد نص بعد ذلك على تخصيص العلة والمفهوم وغيرهما، والتخصيص فرع العموم، وأيضا فسيأتي قريبا أن العموم قد يكون عقليا لا لفظيا، ولك أن تجيب بأنه يجوز أن يكون إطلاق العموم هناك على سبيل المجاز كما رآه الجمهور، وكلامه هنا في المدلول الحقيقي، أو تقول: العموم هناك بحسب اللغة وهنا بحسب الاصطلاح، وفي المعالم أن العام ما يتناول الشيئين فصاعدا من غير حصر, فسلم من الاعتراضين وإن وقع في غيرهما. وقوله:"يستغرق" خرج به المطلق، وإنه سيأتي أنه لا يدل على شيء من الأفراد فضلا عن استغراقها، وخرج به النكرة في سياق الإثبات سواء كانت مفردة كرجل أو مثناة كرجلين أو مجموعة كرجل أو عددا كعشرة، فإن العشرة مثلا لا تستغرق جميع العشرات وكذلك البواقي، نعم هي عامة عموم البدل عند الأكثرين إن كانت أمرا نحو: اضرب رجلا، فإن كانت خبرا نحو: جاءني رجل, فلا تعم. ذكره في المحصول١ في الكلام على أن النكرة في سياق النفي تعم، ومعنى عموم البدل أنها تصدق على كل واحد بدلا عن الآخر. وقوله:"جميع ما يصلح له" احتراز عما لا يصلح, فإن عدم استغراق من لما لا يعقل وأولاده زيد لأولاد غيره لا يمنع كونه عاما، لعدم صلاحيته له، والمراد بالصلاحية اللفظ لمعنى دون معنى, سببها الوضع لا المناسبة الطبيعية كما تقدم، ويجوز أن يكون حالا من ما أي جميع المعاني الصالحة له في حال كونها حاصلة بوضع واحد،
واحترز بذلك عن اللفظ المشترك كالعين وما له حقيقة ومجاز كالأسد، وتقريره على وجهين, أحدهما: أن العين قد وضعت مرتين مرة للمبصرة ومرة للفوارة، فهي صالحة لهما، فإذا قال: رأيت العيون وأراد بها العيون المبصرة دون الفوارة، أو بالعكس فإنها لم تستغرق جميع ما يصلح لها مع أنها عامة؛ لأن الشرط إنما هو استغراق الأفراد الحاصلة من وضع واحد وقد وجد ذلك، والذي لم يدخل فيها هو أفراد وضع آخر فلا يضر. فلو لم يذكر هذا القيد لاقتضى أن لا تكون عامة، وما كان له حقيقة ومجاز يعمل فيه هذا العمل المذكور بعينه فيكون المقصود بهذا القيد إدخال بعض الأفراد لا الإخراج، وهذا التقرير قد أشار إليه في المحصول إشارة لطيفة فقال: