صاحب التحصيل، وتقرير ذلك موقوف على مقدمة وهي أن الشيئين إذا توقف كل منهما على الآخر فإن كان التوقف بالبعدية والقبلية، وهو المسمى بالدور السبقي فالوقوع مستحيل، كما إذا قال زيد: لا أدخل الدار حتى يدخل قبلي عمرو وقال عمرو كذلك، وإن لم يكن سبقيا كما إذا قال كل منهما: لا أدخل الدار حتى يدخل الآخر فلا استحالة فيه لإمكان دخولهما معا، ويسمى بالدور المعي، إذا عرفت هذا فتقول: قول المصنف لنا: إن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر إن أراد به التوقف السبقي فلا يلزم من عدمه جواز وجود الدلالة بعد إخراج البعض, فإنه يجوز أن تكون دلالته على البعض مستلزمة لدلالته على البعض الآخر, وبالعكس لجواز التلازم من الجانبين كالبنوة والأبوة وغيرهما من المتضايفين, وإن أراد به التوقف المعي فلا استحالة فيه كما بيناه، هذا معنى كلام التحصيل فافهمه, والصواب التمسك بعمل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم قد استدلوا بالعمومات المخصوصة من غير نكير فكان إجماعا. قال:"السادسة: يستدل بالعام ما لم يظهر المخصص, وابن سريج أوجب طلبه أولا. لنا لو وجب لوجب طلب المجاز للتحرز عن الخطأ واللازم منتف، قال: عارض دلالته احتمال المخصص، قلنا: الأصل يدفعه". أقول: هل يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص؟ فيه مذهبان جوزه الصيرفي، ومنعه ابن سريج هكذا حكاه الإمام وأتباعه، ولم يرجح شيئا منهما في كتابيه المحصول والمنتخب هنا, لكنه أجاب عن دليل ابن سريج١ وفيه إشعار بميله إلى الجواز؛ ولهذا صرح صاحب الحاصل بأنه المختار فتابعه المصنف عليه لكنه جزم بالمنع فيه, أعني في المحصول في أواخر الكلام على تأخير البيان عن وقت الخطاب. واعلم أن إثبات الخلاف على هذا الوجه غير معروف ولا مستقيم، فإن الذي قاله الغزالي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم أنه لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص بالإجماع، ثم اختلفوا فقيل: يبحث إلى أن يغلب على الظن عدم المخصص، ونقله الآمدي عن الأكثرين وابن سريج قال: وذهب القاضي وجماعة إلى أنه لا بد من القطع بعدمه ويحصل ذلك بتكرر النظر والبحث واشتهار كلام العلماء فيها من غير أن يذكر أحد منهم مخصصا, وحكى الغزالي قولا ثالثا: أنه لا يكفي الظن، ولا يشترط القطع بل لا بد من اعتقاد جازم وسكون نفس بانتفائه، إذا تقرر هذا فاعلم أن خلاف الصيرفي إنما هو في اعتقاد عمومه قبل دخول وقت العمل به، فإنه قال: إذا ورد لفظ عام ولم يدخل وقت العمل به فيجب اعتقاد عمومه، ثم إن ظهر مخصص فيتغير ذلك الاعتقاد، هكذا نقله عنه إمام الحرمين والآمدي وغيرهما وخطئوه. قوله:"لنا ... إلخ" شرع في نصب الدليل على الطريق التي
١ ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، أبو العباس, فقيه الشافعية في عصره, مولده ووفاته في بغداد، له نحو ٤٠٠ مصنف منها الأقسام والخصال, والودائع لمنصوص الشرائع, وغيرها، توفي سنة "٣٠٦هـ"، "الأعلام: ١/ ١٨٥".