المقيد له وإفادته له حقيقة، وهذا التقرير مصرح بأن البعض الموصوف لا يفيد المنطوق، وتقرير الحاصل مصرح بأنه يفيده، وكلام الإمام محتمل للأمرين، أما الأول فواضح, وأما الثاني فيكون المراد بقوله: لأن المقيد بالصفة هو أن المجموع من العام والصفة تناول الموصوف ولم يتناول غيره. وأجاب المصنف بأن المركب من الموصوف مع الصفة مثلا غير موضوع للباقي؛ لأن المركبات ليست بموضوعة على المشهور وحينئذ فلا يكون حقيقة فيه؛ لأن الحقيقة هو اللفظ المستعمل فيما وضع له فلم يبق إلا المفردات، ولا شك أن المفرد الذي هو العام متناول في اللغة لكل فرد, وقد استعمل في البعض فيكون مجازا، وقد تقدم أن هذا الجواب يعكر على ما ذكره في مجاز التركيب، فالأولى في الجواب أن يقال: كلامنا في العام المخصص وهو الموصوف وحده، لا في المجموع من المخصص والمخصص أيضا لو لم يكن الموصوف ونحوه متناولا لم يكن المتصل به مخصصا، لأن التخصيص إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ولا شك أن هذه الأشياء من المخصصات عنده, والتحقيق أن اللفظ متناول بحسب وضع اللغة ولكن الصفة قرينة في إخراج البعض فيكون مجازا كما قاله المصنف. قال:"الخامسة: المخصص بمعين حجة ومنعها عيسى بن أبان وأبو ثور وفصل الكرخي. لنا أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر لاستحالة الدور, فلا يلزم من زوالها زوالها". أقول: العام إن خص بمبهم فلا يحتج به على شيء من الأفراد بلا خلاف، كما قاله الآمدي وغيره؛ لأنه ما من فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج, مثاله قوله تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المائدة: ١] وإن خص بمعين كما لو "قيل: اقتلوا المشركين" إلا أهل الذمة, فالصحيح عند الآمدي والإمام وابن الحاجب والمصنف أنه حجة في الباقي مطلقا، وقال ابن أبان وأبو ثور: ليس بحجة مطلقا، وهو المراد بقوله: ومنعها أي: ومنع حجيته وفصل الكرخي، أي: فقال: إن خص بمتصل كان حجة وإلا فلا, وهذا التفصيل يعرف هو ودليله من المسألة السابقة؛ فلذلك أهمله المصنف.
والجمهور على أن أبان لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل, وأصله: أبين على وزن أفعل فقلبت الياء ألفا لانقلابها في الماضي المجرد، وهو بان، ومن قال: إنه منصرف قال: وزنه فعال, حكاه ابن يونس في شرح المفصل وغيره. قوله:"لنا" أي: الدليل على أنه حجة، أن دلالة العام على فرد من الأفراد لا تتوقف على دلالته على الفرد الآخر؛ لأن دلالته على الباقي مثلا لو كانت متوقفة على البعض المخرج، فإن لم تتوقف دلالته على المخرج على الباقي كان تحكما؛ لأن دلالة العام على جميع أفراده متساوية, وإن توقفت عليه لزم الدور, وهو مستحيل فثبت أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على غيره من الأفراد، وحينئذ فلا يلزم من زوال الدلالة عن بعض الأفراد زوالها على البعض الآخر فيكون حجة, وهذا الدليل ضعيف كما نبه عليه