للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبله هو مذهب البصريين والكسائي١، واستدل له المصنف بأنه أقرب، وقال بعض النحويين: تعود المستثنيات بها إلى المذكور أولا وقال بعضهم: يحتمل الأمرين. قال: "الرابعة: قال الشافعي: المتعقب للجمل كقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: ١٦٠] يعود إليها وخص أبو حنيفة بالأخيرة، وتوقف القاضي والمرتضى وقيل: إن كان بينهما تعلق فللجميع مثل: أكرم الفقهاء والزهاد أو أنفق عليهم إلا المبتدعة وإلا فللأخيرة، لنا ما تقدم أن الأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في المتعلقات كالحال والشرط وغيرهما, فكذلك الاستثناء قيل خلاف الدليل حولف في الأخيرة للضرورة, قبقيت الأولى على عمومها, قلنا: منقوض بالصفة والشرط". أقول: شرع في حكم الاستثناء المذكور عقب الجمل كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤، ٥] فإن هذا الاستثناء وقع بعد ثلاث جمل, الجملة الأولى آمرة بجلدهم، والثانية ناهية عن قبول شهادتهم، والثالثة مخبرة بفسقهم، وفي حكم ذلك مذاهب، الأول مذهب الشافعي: أن الاستثناء يعود إلى الجمع إذا لم يدل الدليل على إخراج البعض لكن بشرطين، أحدهما: أن تكون الجمل معطوفة، كما صرح به الآمدي وابن الحاجب وغيرهما واستدلال الإمام والمصنف وغيرهما يقتضيه, الثاني: أن يكون العطف بالواو خاصة كما صرح به الآمدي وابن الحاجب وإمام الحرمين في النهاية. الثاني مذهب أبي حنيفة: أنه يعود إلى الجملة الأخيرة خاصة قال في المعالم: وهو المختار، وفائدة هذا الخلاف في قبول شهادة القاذف بعد التوبة فعندهما تقبل؛ لأن الاستثناء يعود إليها أيضا، وعنده لا تقبل، وأما الجملة الأولى الآمرة بالجلد فوافقناه على أن الاستثناء هنا لا يعود إليها لكونه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة. الثالث: التوقف وهو مذهب القاضي والشريف المرتضى٢ من الشيعة، قال في المحصول: إلا أن القاضي توقف لعدم العلم بمدلوله في اللغة، والمرتضى توقف للاشتراك أي: لكونه مشتركا بين عوده إلى الكل وعوده إلى الأخيرة؛ لأنه قد ورد عوده للكل في قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [آل عمران: ٨٧-٨٩] . وورد عوده أيضا إلى


١ الكسائي: علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي, أبو الحسن، إمام في اللغة والنحو والقراءة، ولد في إحدى قرى الكوفة وتعلم بها، وقرأ النحو بعد الكبر, له معاني القرآن والمصادر والحروف وغيرها، توفي سنة "١٨٩هـ" "الأعلام: ٤/ ٢٨٣".
٢ الشريف المرتضى: أبو القاسم علي بن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
كان نقيب الطالبيين، وكان إماما في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي، وكانت ولادته سنة "٣٥٥هـ" ووفاته "٤٣٦هـ" "وفيات الأعيان: ٣/ ٢٧٣".

<<  <   >  >>