للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو حسن: أن قولنا: إن الاستثناء من النفي إثبات يصدق بإثبات صورة واحدة من كل استثناء؛ لأن دعوى الإثبات لا عموم فيها بل هي مطلقة، وحينئذ فيقتضي صحة الصلاة عند وجود الطهارة بصفة الإطلاق لا بصفة العموم، أي: لا يقتضى ثبوت صحة الصلاة في جميع صور الطهارة بل يصدق ذلك بالمرة الواحدة. الثالث ما قاله الآمدي: أن هذا استثناء من غير الجنس؛ لأنه لا يصدق عليه اسم الأول, ولكن إنما سبق هذا البيان اشتراط الطهارة في الصلاة والاستعمال يدل عليه كما يقال: لا قضاء إلا بورع أو بعلم وليس المراد إثبات القضاء لكل عالم أو ورع بل المراد الشرطية, وقد تقرر أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود الجواز المشروط عدمه لوجود مانع أو انتفاء شرط، وما قاله حسن إلا دعواه أنه منقطع، قال ابن الحاجب: فإنه بعيد؛ لأن هذا استثناء مفرغ والمفرغ من تمام الكلام بخلاف المنقطع. "المسألة الثالثة": في حكم الاستثناءات المتعددة، وقد أهملها ابن الحاجب وحكمها أنها إن تعاطفت أي: عطف بعضها على بعض عادت كلها إلى المستثنى منه، نحو: له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا اثنين فيلزمه خمسة، وكذلك إن لم تكن معطوفة ولكن كان الثاني مستغرقا للأول قال في المحصول: سواء كان مساويا نحو: له عشرة إلا اثنين إلا اثنين بالتكرار أو أزيد نحو: له علي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة فيلزمه في المثال الأول ستة، وفي الثاني خمسة، ولك أن تقول: الاستثناء خلاف الأصل لكونه إنكارا بعد اعتراف كما سيأتي، والتأكيد أيضا خلاف الأصل والمساوي محتمل لكل منهما، فلم رجحنا الاستثناء على التأكيد؟ وللنحويين في هذا القسم وهو المستغرق مذهبان، أحدهما: ما اقتضاه كلام المصنف. والثاني: وهو مذهب الفراء١ أو الثاني يكون مقرا به فيلزمه في المثال الأول عشرة وفي الثاني أحد عشر. قوله: "وإلا" أي: وإن لم يكن الثاني معطوفا ولا مستغرقا فيعود الاستثناء الثاني لا الاستثناء الأول أي: يكون مستثنى منه، وحينئذ فلا بد من مراعاة ما تقدم لك، وهو أن الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس، فإذا قال: له علي عشرة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة فتكون السبعة مستثناة من الثمانية وعلى هذا فتكون لازمة؛ لأنها مستثناة مما يلزم والستة مستثناة من السبعة فتكون غير لازمة؛ لأنها مستثناة مما يلزم وحينئذ فيلزمه في هذا الإقرار ثلاثة لأنه لما قال: علي عشرة إلا ثمانية أي: لا يلزمني فيبقى درهمان ثم قال: إلا سبعة أي: تلزمني, فتضمها إلى الدرهمين تصير تسعة ثم قال: إلا ستة أي تلزمني فيبقى ثلاثة، وهذا الذي جزم به من كون كل واحد يعود إلى ما


١ الفراء: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، أبو زكريا المعروف بالفراء، إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، ولد بالكوفة، وانتقل إلى بغداد، وعهد إليه المأمون تربيةابنيه، وتوفي سنة "٢٠٧هـ". "الأعلام: ٨/ ١٤٥".

<<  <   >  >>