مثله قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] ثم قال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}[البقرة: ٢٢٨] فإن المطلقات يشملن البوائن والرجعيات، والضمير في قوله:{وَبُعُولَتُهُنَّ} عائد على الرجعيات فقط؛ لأن البائن لا يملك الزوج ردها، ولو ورد بعد العام حكم لا يتأتى إلا في بعض أفراده كان حكمه كحكم الضمير كما صرح به في المحصول، ومثل له بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] ثم قال: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: ١] يعني الرغبة في مراجعتهن والمراجعة لا تتأتى في البائن، واستدل المصنف على بقاء العموم بقوله؛ لأنه لا يزيد على إعادته، وفيه ضميران ملفوظ بهما، فالأول يعود على لفظ الضمير من قوله: عود الضمير خاص أي: لأن الضمير الخاص لا يزيد, وأما الثاني فيحتمل أن يكون عائدا على العام، ومعناه أن الضمير لا يزيد على إعادة العام المتقدم، ولو أعيد فقيل: وبعولة المطلقات أحق بردهن لم يكن مخصصا اتفاقا، وإن كان المراد به الرجعيات فبطريق الأولى إعادة ما قام مقامه، ويحتمل أن يكون عائدا على بعض الخاص وهو ما فهمه كثير من الشراح، ويعني بذلك أنه لو قيل: وبعولة الرجعيات أحق بردهن لم يكن مخصصا لما قبله, فبالأولى ما قام مقامه الأول، أصوب لتعبيره بالإعادة دون الإظهار, ولأنه أبلغ في الحجة لكون الأول بعينه قد أعيد، ولم يلزم منه التخصيص، وعلى كل حال فللخصم أن يقول: إن الضمير يزيد على إعادة الظاهر؛ لأن الظاهر مستقل بنفسه فينقطع معه الالتفات عن الأول بخلاف الضمير، واستدل المتوقف بأن العموم مقتضاه ثبوت الحكم لكل فرد، والضمير مقتضاه عوده لكل ما تقدم فليست مراعاة ظاهر العموم أولى من مراعاة ظاهر الضمير، فوجب التوقف ولا ذكر لهذه المسألة في المنتخب. قال:"تذنيب: المطلق والمقيد إن اتحد سببهما حمل المطلق عليه عملا بالدليلين, وإلا فإن اقتضى القياس تقييده قيدا وإلا فلا". أقول: لما كان المطلق عاما عموما بدليا، والمقيد أخص منه كان تعارضهما من باب تعارض العام والخاص فلذلك ذكره في بابه وترجم له بالتذنيب, وقد سبق الكلام على هذه اللفظة في أوائل الكتاب، وحاصل المسألة أنه إذا ورد لفظ مطلق ولفظ مقيد نظر إن اختلف حكمهما نحو: اكس ثوبا هرويا وأطعم طعاما, فلا يحمل أحدهما على الآخر باتفاق, أي: لا يقيد الطعام أيضا بالهروي لعدم المنافاة، واستثنى الآمدي وابن الحاجب صورة واحدة وهو ما إذا قال: أعتق رقبة ثم قال: لا تملك كافرة ولا تعتقها، وهذا القسم تركه المصنف لوضوحه، وصرح الآمدي بأنه لا فرق فيه بين أن يتحد سببهما أم لا، لكن نقل القرافي عن أكثر الشافعية أنه يحمل عليه عند اتحاد السبب، ومثل له بالوضوء والتيمم، فإن سببهما واحد وهو الحدث، وقد وردت اليد في التيمم مطلقة، وفي الوضوء مقيدة بالمرافق, وإن اتحد حكمهما نظر, إن اتحد سببهما كما لو قيل في الظهار: أعتق رقبة وقيل فيه أيضا: أعتق رقبة مؤمنة, فلا خلاف كما قال الآمدي: إنا نحمل