المطلق على المقيد حتى يتعين إعتاق المؤمنة، لا المقيد على المطلق حتى يجزئ إعتاق الكافرة، وإنما حملنا المطلق على المقيد عملا بالدليلين؛ وذلك لأن المطلق جزء من المقيد فإذا عملنا بالمقيد عملنا بهما، وإن لم نعمل به فقد ألغينا أحدهما، ثم اختلفوا فصحح ابن الحاجب وغيره أن هذا الحمل بيان للمطلوب أي: دال على أنه كان المراد من المطلق هو المقيد، وقيل: يكون نسخا أي: دالا على نسخ حكم المطلق السابق بحكم المقيد الطارئ، واعلم أن مقتضى إطلاق المصنف أنه لا فرق في حمل المطلق على المقيد بين الأمر والنهي، فإذا قال: لا تعتق مكاتبا وقال أيضا: لا تعتق مكاتبا كافرا, فإن نحمل الأول على الثاني ويكون المنهي عنه هو إعتاق المكاتب الكافر, وصرح به الإمام في المنتخب وذكر في المحصول والحاصل نحوه أيضا، لكن ذكر الآمدي في الأحكام أنه لا خلاف في العمل بمدلولهما، والجمع بينهما في النفي إذ لا تعذر فيه، هذا لفظه وهو يريد أنه يلزم من نفي المطلق نفي المقيد فيمكن العمل بهما، ولا يلزم من ثبوت المطلق ثبوت المقيد، وتابعه ابن الحاجب وأوضحه فقال: فإن اتحد موجبهما مثبتين فيحمل المطلق على المقيد، ثم قال: فإن كانا منفيين عمل بهما، وحاصله أنه لا يعتق مكاتبا مؤمنا أيضا، إذ لو أعتقه لم يعمل به، وصرح به أبو الحسين البصري في المعتمد وعلله بأن قوله: لا تعتق مكاتبا عام، والمكاتب الذمي فرد من أفراده، وذكره لا يقتضي التخصيص، هكذا نقله عنه الأصفهاني شارح المحصول، ونقل عن أبي الخطاب الحنبلي بناؤها على أن مفهوم الصفة هل هو حجة أم لا؟ وقد غلط الأصفهاني المذكور في فهم كلام الآمدي وابن الحاجب, فادعى أن المراد منه حمل المطلق على المقيد. قوله:"وإلا" أي: وإن لم يتحد سببهما كقوله تعالى في كفارة الظهار: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المجادلة: ٣] وقوله تعالى في كفارة القتل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢] ففيه ثلاثة مذاهب حكاها في المحصول, أحدها: أن تقييد أحدها يدل بلفظه على تقييد الآخر؛ لأن القرآن كالكلمة الواحدة، ولهذا فإن الشهادة لما قيدت بالعدالة مرة احدة وأطلقت في سائر الصور حملنا المطلق على المقيد. الثاني قول الحنفية: أنه لا يجوز تقييده بطريق ما لا باللفظ ولا بالقياس. الثالث وهو الأظهر من مذهب الشافعي كما قاله الآمدي وصححه هو والإمام وأتباعهما وجزم به المصنف: أنه إن حصل قياس صحيح مقتضٍ لتقييده قيد كاشتراك الظهار والقتل في خلاص الرقبة المؤمنة عن قيد الرق لتشوف الشارع إليه، وإن لم يحصل ذلك فلا. "فرع": إذا أطلق الحكم في موضع ثم قيد في موضعين بقيدين متنافيين, فإن قلنا: إن التقييد بالقياس فلا كلام وتحمله على المقيد المشارك له في المعنى، وإن قلنا: إنه باللفظ تساقطا وترك المطلق على إطلاقه؛ لأنه ليس تقييده بأحدهما أولى من الآخر,