للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الذي بيده العقدة محتمل الزوج والولي، وبواسطة مرجع الصفة نحو: زيد طبيب ماهر، فإن الماهر يحتمل أن يرجع إلى زيد وإلى الطبيب، والمعنى يختلف، وبواسطة تعدد مرجع الضمير نحو: ضرب زيد عمر أو أكرمني، وبواسطة استثناء المجهول كقوله تعالى: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} وهذه الأقسام قد ذكرها ابن الحاجب ما عدا الأخير، وكلام المصنف صالح لها. نعم المجمل قد يكون فعلا أيضا كما إذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من الركعة الثانية، فإنه يحتمل أن يكون عن تعمد فيدل على جواز ترك التشهد الأول، ويحتمل أن يكون عن سهو فلا يدل عليه، وهذا القسم ذكره ابن الحاجب وغيره، وهو يرد على المصنف فإنه جعل مورد التقسيم هو اللفظ، فقال: اللفظ إما أن يكون ... إلخ، واختلفوا في جواز بقاء الإجمال بعد وفاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- قاله في البرهان بعد حكاية هذا الخلاف. والمختار أنه إن تعلق به حكم تكليفي فلا يجوز، وإلا فيجوز. قوله: "فإن ترجع" أي: بعض المجازات, وجواب هذا الشرط هو قوله بعد ذلك: حمل عليه، ثم ذكر للرجحان ثلاثة أسباب, أحدها: أن يكون أقرب إلى الحقيقة من المجاز، والآخر كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ١، وقوله: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ٢ فإن حقيقة هذا اللفظ إنما هو الإخبار عن نفي ذات الصوم والصلاة عند انتفاء الفاتحة والتبييت، وهذه الحقيقة غير مرادة للشارع؛ لأنا نشاهد الذات قد تقع بدون ذلك فتعين الحمل على المجاز، وهو إضمار الصحة أو الكمال، وإضمار الصحة أرجح لكونه أقرب إلى الحقيقة، فحملنا اللفظ عليه، وبيان القرب أن الحقيقة هو نفي الذات كما تقدم ونفي الذات يستلزم انتفاء جميع الصفات, ونفي الصحة أقرب إليه في هذا المعنى من نفي الكمال؛ لأنه لا يبقى مع نفي الصحة وصف بخلاف نفي الكمال, فإن الصحة تبقى معه, ولك أن تقول: إن هذا التقرير معارض بأن نفي الكمال متيقن دون نفي الصحة, وبأن فيه تقليلا للإضمار والتجوز المخالف للأصل. واعلم أن ما قاله المصنف هنا غير مستقيم، ولم يذكره الإمام ولا أحد من أتباعه؛ وذلك لأن المذكور في المحصول مذهبان, أحدهما ما قاله أبو عبد الله البصري: أن المنفي الداخل مطلقا مجمل، سواء كان شرعيا نحو: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، أو لغويا نحو: لا عمل إلا بالنية؛ لأن الذات غير منتفية وليس بعض المجازات بأولى من بعض. والثاني ونقله عن الأكثرين: أن النفي إن كان اسما شرعيا كالصوم والصلاة فلا إجمال؛ لأن انتفاء المشروع ممكن بفوات شرطه أو جزئه, وقد أخبر الشارع به, وإن كان لغويا فإن كان له حكم واحد فلا إجمال أيضا وينصرف النفي إليه كقولنا: لا إقرار لمن أقر بالزنا مكرها، فإن هذا النفي لا يمكن صرفه إلى نفس الإقرار لوجوده، ولا صرفه إلى الاستحباب لأنه لا


١ أخرجه ابن حجر في فتح الباري "٢/ ٢٥٢"، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "٣/ ٤٨".
٢ أخرجه الزيلعي في نصب الراية "١/ ٤٣٣".

<<  <   >  >>