للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العموم في الآية قلنا: لأن بيانه مضاف وقد تقدم أنه للعموم، ولك أن تقول: حمله على العموم يقتضي أن لا يوجد بيان مقارن, وأن يفتقر كل القرآن إلى البيان بالمعنى الذي قالوه وليس كذلك. فالوجه حمل البيان على الإظهار كقولهم بأن لنا سور المدينة أي: ظهر اعتراض أبي الحسين ومن معه من الشافعية بأن المراد هو البيان التفصيلي دون الإجمالي، وأجاب المصنف بأنه تقييد بلا دليل. قوله: "وخصوصا" هو معطوف على قوله مطلقا, تقديره لنا مطلقا كذا، وخصوصا كذا، وهذا هو الدليل الثاني المخصوص بالنكرة, وتقديره أن المراد من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] إنما هي بقرة معينة بدليل سؤالهم عن صفتها، وجواب الباري لهم حيث قال: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا} [البقرة: ٧٠] إلخ الآيات, فلو كانت غير معينة لكان السؤال باطلا لا يستحقون عليه جوابا, لكن الباري أجاب بأوصاف خاصة، ثم إن البيان تأخر عن الخطاب حتى سألوه سؤالا بعد سؤال فدل على الجواز، واعترض الخصم على هذا الاستدلال بوجهين أحدهما: أن بني إسرائيل كانوا مأمورين وقت الخطاب بالذبح فيكونون محتاجين إلى البيان في ذلك الزمان، وتأخيره عنه تأخير عن وقت الحاجة وهو لا يجوز, فما تقتضيه الآية لا يقولون به، وما يقولون به لا تقتضيه الآية، وجوابه ما تقدم من كون الأمر لا يوجب الفور، ولك أن تقول: الأمر بذلك إنما هو لأجل الفصل بين الخصمين المتنازعين في القتل, كما هو معروف في التفسير والفصل واجب على الفور. الاعتراض الثاني: لا نسلم أن البقرة كانت معينة، فإن ابن عباس رضي الله عنهما نقل عنه أنه قال: "شددوا على أنفسهم فشدد الله تعالى عليهم" ويدل عليه أنها لو كانت معينة لما عنفهم الله تعالى وذمهم على سؤالهم لكنه عنفهم بقوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وجوابه أنا نمنع كون التعنيف على السؤال، فإنه يجوز أن يكون على التواني أي: التقصير بعد البيان فإن كلا منهما محتمل، وأيضا فإيجاب المعينة بعد إيجاب خلافها نسخ قبل الفعل وهو ممتنع عند الخصم، وكان الصواب تقديم الاعتراض الثاني على الأول. قوله: "وأنه تعالى" هو معطوف على قوله: إن المراد تقديره ولنا خصوصا أن المراد كذا, وأنه تعالى أنزل كذا، وهذا هو الدليل الثالث المختص بجواز إطلاق العام وإرادة الخاص من غير بيان مقترن به لا تفصيلي ولا إجمالي، وتوجيهه أنه تعالى أنزل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨] وهو عام في كل معبود فقال ابن الزبعرى: لأخصمن محمدا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أليس قد عبدت الملائكة؟ أليس قد عبد المسيح؟ فيلزم أن يكون هؤلاء حصب نار جهنم فتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب حتى نزل التخصيص بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: ١٠١] فدل ذلك على الجواز قال الجوهري: الحصب هو ما يحصب به في النار أن يرمى به والزبعرى بكسر الزاي وفتح الباء قال: وهو السيئ الخلق على ما نقله الفراء،

<<  <   >  >>