للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا: إن المراد الفتوى؛ وذلك لأن الإنذار هنا متوقف على التفقه، إذ الأمر بالتفقه إنما هو لأجله، والمتوقف على التفقه إنما هو الفتوى لا أحد, وأجاب المصنف بأنه يلزم من حمل الإنذار على الفتوى تخصيص الآية من وجهين أحدهما: تخصيص الإنذار بالفتوى مع أنها عامة فيه وفي الرواية. الثاني: تخصيص القوم من قوله تعالى: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} بالمقلدين؛ لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا في فتواه، بخلاف ما إذا حمل الإنذار على الرواية أو على ما هو أعم، فإنه ينتفي التخصيصات, أما تخصيص الإنذار فواضح، وأما القوم فلأن الرواية ينتفع بها المجتهد في الأحكام، وينتفع بها المقلد في الانزجار, وحصول الثواب في نقلها لغيره وغير ذلك. الثالث: لو كان المراد بالفرقة ثلاثة لكان يجب أن يخرج من كل ثلاثة واحد؛ لأن لولا للتخصيص تقديره: هلا خرج وليس كذلك إجماعا. وأجاب المصنف بأن هذا النص الذي في لزوم خروج واحد من كل ثلاثة قد خص بالإجماع، ولا يلزم من تخصيص النص فيه تخصيصه في قبول رواية الواحد. قوله: "الثاني" أي: الدليل الثاني على وجوب العمل بخبر الواحد, وتقريره من وجهين ذكر أصلهما في المحصول أحدهما ولم يذكر المصنف سواه: أنه لو لم يقبل خبر الواحد لما كان عدم قبوله معللا بالفسق؛ وذلك لأن خبر الواحد على هذا التقدير يقتضي عدم القبول لذاته، وهو كونه خبر واحد فيمتنع تعليل عدم قبوله بغيره؛ لأن الحكم المعلل بالذات لا يكون معللا بالغير، إذ لو كان معللا بالغير لاقتضى حصوله به، مع كونه حاصلا قبل ذلك أيضا لكونه معللا بالذات، وذلك تحصيل للحاصل وهو محال. والثاني: وهو امتناع تعليله بالفسق باطل لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] فإن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يغلب على الظن أنه علة له، والظن كاف هنا لأن المقصود هو العمل, فثبت أن خبر الواحد ليس مردودًا. وإذا ثبت ذلك ثبت أنه مقبول واجب العمل به؛ لأن القائل قائلان. التقرير الثاني: أن الأمر بالتبيين مشروط بمجيء الفاسق ومفهوم الشرط حجة, فيجب العمل به إذا لم يكن فاسقا؛ لأن الظن يعمل به هنا، والقول بالواسطة منتف كما تقدم. قوله: "الثالث" أي: الدليل الثالث على وجوب العمل بخبر الواحد القياس على الفتوى والشهادة، والجامع تحصيل المصلحة المظنونة أو دفع المفسدة المظنونة. وفرق الخصم بأن الفتوى والشهادة تقتضيان شرعا خاصا ببعض الناس، والرواية تقتضي شرعا عاما للكل ولا يلزم من تجويزنا للواحد أن يعمل بالظن الذي قد يخطئ ويصيب، أن يجوز ذلك للناس كافة، ورده المصنف بشرعية أصل الفتوى، فإن اتباع الظن فيها لا يختص بمسألة ولا بشخص، وقد يقال: الرواية أكثر عموما؛ لأنها تقتضي الحكم على المجتهدين والمقلدين، وأما الفتوى فخاصة بالمقلدين، وقد استدل في المحصول أيضا على التمسك بخبر الواحد, بأنه -عليه الصلاة والسلام- كان يبعث الرسل بتبليغ الأحكام، وبإجماع الصحابة على

<<  <   >  >>