العمل به عند اطلاعهم عليه. قوله:"قيل: لو جاز" أي: استدل من منع العمل بخبر الواحد عقلا بأمرين أحدهما: أنه لو جاز قبوله في الرواية لجاز اتباع مدعي النبوة بدون المعجزة, بل بمجرد الظن, ولجاز الاعتقاد كمعرفة الله تعالى بالظن أيضا, قياسا على الرواية وليس كذلك اتفاقا. وأجاب المصنف بطلب الجامع، فإن عجزوا عنه فلا كلام وإن أبدوا جامعا كدفع الضرر المظنون أو غيره فرقنا بأن الخطأ في النبوات وفي الاعتقاد كفر؛ فلذلك شرطنا العلم بخلاف الفروع، وأيضا فلأن القطع في كل مسألة شرعية متعذر بخلاف اتباع الأنبياء, والاعتقاد الثاني: أن الاستقراء دل على أن الشرع يتبع مصالح العباد تفضلا وإحسانا. والظن الحاصل من خبر الواحد لا يجعل ما ليس بمصلحة مصلحة، لأنه يخطئ ويصيب فلا يعول عليه. والجواب أن ما قاله بعينه جار في الفتوى والأمور الدنيوية، مع أن قول الواحد فيهما مقبول اتفاقا كما تقدم. قال:"الطرف الثاني: في شروط العمل به وهو إما في المخبر أو المخبر عنه، أو الخبر. أما الأول فصفات تغلب على الظن، وهي خمس: الأول: التكليف فإن عبر المكلف لا يمنعه خشية الله تعالى قيل: يصح الاقتداء بالصبي اعتمادا على خبره بطهر. قلنا: لعدم توقف صحة صلاة المأموم على طهره, فإن تحمل ثم بلغ وأدى قبل قياسا على الشهادة, وللإجماع على إحضار الصبيان الحديث. الثاني: كونه من أهل القبلة فتقبل رواية الكافر الموافق كالمجسمة إن اعتقدوا حرمة الكذب, فإنه يمنعه عنه, وقاسمه القاضيان بالفاسق والمخالف, ورد بالفرق". أقول: العمل بخبر الواحد له شروط بعضها في المخبر -بكسر الباء- وهو الراوي, وبعضها في المخبر عنه وهو مدلول الخبر، وبعضها في الخبر نفسه وهو اللفظ. أما الأول وهي شروط المخبر فضابطها الإجمالي عبارة عن صفات تغلب على الظن أن المخبر صادق وعند التفصيل ترجع إلى خمس صفات كما ذكرها المصنف, إلا أن الخامسة منها إنما هي شرط على قول مرجوح، الوصف الأول: التكليف، فلا تقبل رواية المجنون والصبي الذي لم يميز بالإجماع وكذا المميز عند الجمهور, فإن غير المكلف لا يمنعه خشية من الله تعالى عن تعاطي الكذب لعلمه بأنه غير معاقب، وهو في الحقيقة أكثر جراءة من الفاسق. واستدل الخصم بأنه لو لم يقبل خبره لم يصح الاقتداء به في الصلاة اعتمادا على إخباره بأنه متطهر, لكنه يصح فدل على قبول خبره. وأجاب المصنف بأن صحة الاقتداء ليست مستندة إلى قبول إخباره بطهره، بل لكونها غير متوقفة على طهارة الإمام؛ لأن المأموم متى لم يظن حدث الإمام صحت صلاته وإن تبين حدث الإمام، وأما الرواية فشرط صحتها السماع. قوله:"فإن تحمل" يعني أن الصبي إذا تحمل ثم بلغ وأدى بعد البلوغ ما تحمله قبله, فإنه يقبل لأمرين أحدهما: القياس على الشهادة. الثاني: إجماع السلف على إحضار الصبيان مجالس الحديث، ولك أن تجيب عن الأول بأن الرواية تقتضي شرعا عاما فاحتِيط فيها بخلاف الشهادة، وعن الثاني بأن الإحضار قد يكون للتبرك أو سهولة