ظنهم ومعرفة اجتماعهم عليه في وقت واحد, والوقوف على الثلاثة معتذر. أما الأول فلانتشارهم شرقا وغربا, ولجواز خفاء واحد منهم بأن يكون أسيرا أو محبوسا أو مطمورا أو منقطعا في جبل؛ ولأنه يجوز أن يكون فيهم من هو خامل الذكر لا يعرف أنه من المجتهدين, وأما الثاني فلاحتمال أن بعضهم يكذب فيفتي على خلاف اعتقاده؛ خوفا من سلطان جائر أو مجتهد ذي منصب أفتى بخلافه، وأما الثالث فلاحتمال رجوع أحدهم قبل فتوى الآخر. ولأجل هذه الاحتمالات قال الإمام أحمد -رضي الله عنه: من ادعى الإجماع فهو كاذب. وأجاب المصنف -رحمه الله- بأن الوقوف عليه يتعذر في أيام الصحابة -رضوان الله عليهم- فإنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين في الحجاز، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد وكان معروفا في موضعه، وهذا الجواب ذكره الإمام فقال: والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفته إلا في زمان الصحابة، وعلل بما قلناه. نعم ولو فرضنا حصول الإجماع من غير الصحابة، فالأصح عند الإمام والآمدي وغيرهما أنه يكون حجة, وقال أهل الظاهر: لا يحتج إلا بإجماع الصحابة وهو رواية لأحمد. قال:"الثانية: أنه حجة خلافا للنظام والشيعة والخوارج, لنا وجوه: الأول: أنه تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد, حيث قال:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}[النساء: ١١٥] الآية فيكون محرما فيجب اتباع سبيلهم, إذ لا مخرج عنهما. قيل: رتب الوعيد على الكل قلنا: بل على كل واحد وإلا لما ذكر المخالفة قيل: الشرط في المعطوف عليه شرط في المعطوف, قلنا: لا وإن سلم لم يضر؛ لأن الهدى دليل التوحيد والنبوة قيل: لا يوجب تحريم كل ما غاير قلنا: يقتضي لجواز الاستثناء، قيل: السبيل دليل المجمعين قلنا: حمله على الإجماع أولى لعمومه قيل: يجب اتباعهم فيما ساروا به مؤمنين قلنا: حينئذ تكون المخالفة المشاقة قيل: يترك الاتباع رأسا، قلنا: الترك غير سبيلهم, قيل: لا يجب اتباعهم في فعل المباح قلنا: كاتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- قيل: المجمعون أثبتوا بالدليل قلنا: خص النص فيه قيل: كل المؤمنين الموجودين إلى يوم القيامة قلنا: بل في كل عصر؛ لأن المقصود العمل ولا عمل في القيامة". أقول: ذهب الجمهور إلى أن الإجماع حجة يجب العمل به, خلافا للنظام والشيعة والخوارج, فإنه وإن نقل عنهم ما يقتضي الموافقة لكنهم عند التحقيق مخالفون. أما النظام فإنه لم يفسر الإجماع باتفاق المجتهدين كما قلنا, بل قال كما نقله عنه الآمدي: إن الإجماع هو كل قول يحتج به. وأما الشيعة فإنهم يقولون: إن الإجماع حجة لا لكونه إجماعا بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم وقوله: بانفراده عندهم حجة كما سيأتي في كلام المصنف. وأما الخوارج فقالوا كما نقله القرافي في الملخص: إن إجماع الصحابة حجة قبل حدوث الفرقة, وأما بعدها فقالوا: الحجة في إجماع طائفتهم لا غير؛ لأن العبرة بقول المؤمنين ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم. وكلام المصنف تبعا للإمام يقتضي أن النظام يسلم إمكان الإجماع