وإنما يخالف في حجيته, والمذكور في الأوسط لابن برهان ومختصر ابن الحاجب وغيرهما أنه يقول باستحالته. قوله:"لنا" أي: الدليل على كونه حجة من ثلاثة أوجه, الأول وقد تمسك به الشافعي في الرسالة: قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥] ووجه الدلالة أن الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد حيث قال: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} فيلزم أنيكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرما؛ لأنه لو لم يكن حراما لما جمع بينه وبين المحرم الذي هو المشاقة في الوعيد, فإنه لا يحسن الجمع بين حرام وحلال في وعيد بأن تقول مثلا: إن زنيت وشربت الماء عاقبتك، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما أي: لا واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حجة؛ لأن سبيل الشخص هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد. قوله:"قيل: رتب الوعيد ... إلخ" أي: اعترض الخصم بتسعة أوجه, أحدها: أن الله تعالى رتب الوعيد على الكل أي: على المجموع المركب من المشاقة, واتباع غير سبيل المؤمنين, فيكون المجموع هو المحرم، ولا يلزم من تحريم المجموع تحريم كل واحد من أجزائه كتحريم الأختين. والجواب: أنا لا نسلم أنه رتب الوعيد على الكل بل على كل واحد, إذ لو لم يكن مرتبا على كل واحد لكان ذكر مخالفة المؤمنين يعني: اتباع غير سبيلهم لغوا لا فائدة له؛ لأن المشاقة مستقلة في ترتب الوعيد وكلام الله سبحانه وتعالى يصان عن اللغو، وهذا الجواب ليس في المحصول، ولا في الحاصل وهو أولى مما قالاه. الثاني: سلمنا أن الوعيد مرتب على كل واحد منهما, لكن لانسلم تحريم اتباع غير سبيلهم مطلقا بل بشرط تبين الهدى، فإن تبين الهدى شرط في المعطوف عليه، لقوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} والشرط في المعطوف عليه شرط في المعطوف؛ لكونه في حكمه، والهدى عام لاقترانه بال فيكون حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين متوقفة على تبين جميع أنواع الهدى، ومن جملة أنواع الهدى دليل الحكم الذي أجمعوا عليه وإذا تبين استغني به عن الإجماع، فلا يبقى للتمسك بالإجماع فائدة. وأجاب المصنف -رحمه الله- بوجهين أحدهما: لا نسلم أن كل ما كان شرطا في المعطوف عليه يكون شرطا في المعطوف, بل العطف إنما يقتضي التشريك في مقتضى العامل إعرابا ومدلولا كما تقدم غير مرة. الثاني: سلمنا أن الشرط في المعطوف عليه شرط في المعطوف لكن لا يضرنا ذلك, فإنه لا نزاع في أن الهدى المشروط في تحريم المشاقة إنما هو دليل التوحيد والنبوة لا أدلة الأحكام الفرعية، فيكون هذا الهدى شرطا في اتباع غير سبيل المؤمنين, ونحن نسلمه. الاعتراض الثالث: سلمنا أن قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} يوجب تحريم المخالفة، لكن لفظ {غَيْرَ} و {سَبِيلِ} مفردان, والمفرد لا عموم له فلا يوجب ذلك تحريم كل ما غاير سبيلهم، بل يصدق