أن قول القائل: لا تتبع غير سبيل الصالحين لا يفهم منه في العرف سوى الأمر باتباع سبيل الصالحين حتى لو قال: لا تتبع غير سبيلهم ولا تتبع سبيلهم أيضا, لكان ركيكا, نعلم لو أخر لفظة الغير فقال: لا تتبع سبيل غير الصالحين, فإنه لا يفهم منه الأمر باتباع سبيلهم؛ ولهذا يصح النهي عنه أيضا. السابع: سلمنا وجوب الاتباع, لكنه لا يجب في كل الأمور؛ لأنهم لو أجمعوا على فعل مباح لا يجب متابعتهم على فعله, وإلا لكان المباح واجبا وإذا لم يجب اتباعهم في الكل لم يلزم اتباعهم فيما أجمعوا عليه؛ لجواز أن يكون المراد هو الإيمان أو غيره مما اتفقنا عليه. وأجاب المصنف بقوله: قلنا: كاتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولم يذكره الإمام ولا صاحب الحاصل وتقريره من وجهين, أحدهما: أن اتباعهم في المباح أيضا واجب, ومعنى وجوبه هو ما قلناه في وجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المباح، وهو اعتقاد إباحته وأن يفعله على جهة الإباحة لا على جهة أخرى. الثاني: أن قيام الدليل على وجوب اتباعهم في كل الأمور كقيام الدليل على وجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها, فكما أن المباح قد أخرج من عموم التأسي لدليل ولم يقدح في الدلالة على الباقي, فكذلك الأول. والثامن: لا نسلم أيضا أن المتابعة تجب في كل الأمور؛ وذلك لأن المجتمعين إنما أثبتوا الحكم المجمع عليه بالدليل لا بإجماعهم، لما ستعرفه من أن الإجماع موقوف على الدليل، وحينئذ فنقول: إن وجب علينا إثبات ذلك الحكم بإجماعهم لا بالدليل, كان ذلك اتباعا لغير سبيلهم وهو لا يجوز، وإن وجب إثباته بالدليل لم يكن الإجماع بنفسه دليلا مستقلا وهو خلاف المدعي، وأيضا فإنكم لا تقولون بوجوب إثباته بالدليل، وأجاب المصنف بأن اتباعهم واجب في كل شيء إلا ما خص بدليل، وهذه الصورة قد خصت بالاتفاق؛ لأن الحكم قد ثبت بإجماعهم، وإذا ثبت فلا يحتاج في إثباته إلى دليل آخر. التاسع: سلمنا ما قلتم, لكن الآية تدل على وجوب اتباع سبيل كل المؤمنين؛ لأن لفظ {الْمُؤْمِنِينَ} جمع محلى بالألف واللام, فيفيد العموم وكل المؤمنين هم الموجودون إلى يوم القيامة، فلا يكون إجماع أهل العصر الواحد حجة لكونهم بعض الأمة. وأجاب المصنف بأن المراد بالمؤمنين هم الموجودون في كل عصر, فإن الله تعالى لما علق العقاب على مخالفتهم زجرا عنها وترغيبا في الأخذ بقولهم, علمنا أن المقصود هو العمل, فانتفى أن يكون المراد جميع المؤمنين الموجودين إلى يوم القيامة؛ لأنه لا عمل في يوم القيامة. قال:"الثاني: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة: ١٤٣] عدلهم فتجب عصمتهم عن الخطأ قولا وفعلا, كبيرة وصغيرة, بخلاف تعديلنا قيل: العدالة فعل العبد والوسط فعل الله تعالى. قلنا: فعل العبد فعل الله تعالى على مذهبنا قيل: عدول وقت أداء الشهادة. قلنا: حينئذ لا مزية لهم فإن الكل يكونون كذلك. الثالث: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على خطأ" ونظائره, فإنها وإن لم تتواتر آحادها لكن المشترك بينها متواتر, والشيعة عدلوا عليه لاشتماله على قول الإمام المعصوم". أقول: الدليل الثاني على أن