للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجوز، وهذا المثال فيه نظر، فإنه قد نقل عن ابن حزم في المحلى أنه حكى قولا: أن المال كله للأخ. قوله: "قيل: اتفقوا" أي: احتج المانعون مطلقا بوجهين أحدهما: أن أهل العصر الأول قد اتفقوا على عدم القول الثالث وعلى امتناع الأخذ به, فإنهم لما اختلفوا على قولين فقد أوجب كلا من الفريقين الأخذ إما بقوله أو بقول الآخر, وتجويز القول الثالث يرفع ذلك كله فكان باطلا. وأجاب المصنف بأن ذلك الاتفاق كان مشروطا بعدم القول الثالث, فإذا ظهر ذلك القول فقد زال الإجماع بزوال شرطه. واعترض الخصم على هذا الجواب فقال: لو صح ما ذكرتم لكان الإجماع على القول الواحد ليس بحجة؛ لأنه يمكن أن يقال فيه أيضا: وجوب الأخذ بالقول الذي أجمعوا عليه مشروط بعدم القول الثاني, فإذا وجد القول الثاني فقد زال ذلك الإجماع بزوال شرطه. وأجاب المصنف بأن هذا الاشتراط وإن كان ممكنا أيضا في الإجماع الوجداني أي: الإجماع على القول الواحد، لكنهم أجمعوا على عدم اعتباره فيه, فليس لنا أن نتحكم عليه بوجوب التسوية بين الإجماع الوجداني والإجماع على القولين. وهذا الجواب ذكره الإمام وأتباعه, واعترض عليه صاحب التلخيص بأن الاستدلال بإجماعهم على عدم اعتبار هذا الشرط إنما يعتبر بعد اعتبار الإجماع، فلو اعتبرنا الإجماع به للزم الدور. قوله: "قيل: إظهاره ... إلخ" هذا هو الاعتراض الثاني، وتقريره أن إظهار القول الثالث إنما يجوز إذا كان حقا؛ لأن الباطل لا يجوز القول به, والقول بكونه حقا يستلزم تخطئة الفريقين الأولين وتخطئتهما تخطئة لجميع الأمة وهو غير جائز. وأجاب المصنف بأن المحذور إنما هو تخطئتهم فيما أجمعوا فيه على قول واحد، وأما فيما اختلفوا فيه فلا؛ لأن غاية ذلك تخطئة بعضهم في أمر وتخطئة البعض الآخر في غير ذلك الأمر. قال المصنف: وفيه نظر، ولم ينبه على وجه النظر، وتوجيهه أن الأدلة المقتضية لعصمة الأمم عن الخطأ شاملة للصورتين والتخصيص لا دليل عليه، وهذا الجواب لم يذكره الإمام ولا مختصرو كلامه, بل أجابوا بأنا لا نسلم أن إظهار القول الثالث يستلزم تخطئة الفريقين الأولين، بناء على أن كل مجتهد مصيب، سلمنا أن المصيب واحد، لكن التمكن من إظهار الثالث لا يستلزم كونه حقا؛ لأنه يجوز للمجتهد أن يعمل بما ظنه حقا, وإن كان خطأ في نفس الأمر. وهذا الجواب فيه نظر؛ لإمكان جريانه في الإجماع الوجداني، وصورة هذه المسألة أن يتكلم المجتهدون جميعهم في المسألة، ويختلفوا فيها على قولين كما أشرنا إليه أولا، وصرح به الغزالي في المستصفى، وأما مجرد نقل القولين عن عصر من الأعصار فإنه لا يكون مانعا من إحداث الثالث؛ لأنا لا نعلم هل تكلم الجميع فيها أم لا؟ فافهمه ينحلّ به إشكالات أوردت على الشافعي في مسائل. قال: "الثانية: إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمن بعدهم الفصل؟ والحق: إن نصوا بعدم الفرق، أو اتحد الجامع كتوريث العمة والخالة, لم يجز لأنه رفع، فجمع عليه, وإلا جاز، وإلا يجب

<<  <   >  >>