للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإيماء في حق العاجز عن الإتيان بها بالقياس على إيجاب الصلاة قاعدا في حق العاجر عن القيام، والجامع بينهما هو العجز عن الإتيان بها على الوجه الأكمل، وصحح الآمدي وابن الحاجب أنه لا يجري في جميع الأحكام؛ لأنه ثبت فيها ما لا يعقل معناه كالدية, ثم استدل المصنف على الجواز بأن الأدلة الدالة على حجية القياس عامة غير مختصة بنوع دون نوع، فمثال الحدود إيجاب قطع النباش قياسا على السارق والجامع أخذ مال الغير خفية. قال الشافعي: وقد كثرت أقيستهم فيها حتى عدوها إلى الاستحسان، فإنهم زعموا فيما إذا شهد أربعة على شخص بأنه زنى بامرأة وعين كل شاهد منهم زاوية أنه يحد استحسانا، مع أنه على خلاف العقل فلأن يعمل به فيما يوافق العقل أولى، ومثال الكفارات إيجابها على قاتل النفس عمدا بالقياس على المخطئ، قال الشافعي: ولأنهم أوجبوا الكفارة في الإفطار بالأكل قياسا على الإفطار بالجماع، وفي قتل الصيد خطأ قياسا على قتله عمدا، والحنفية حاولوا الاعتذار عما وقعوا فيه، فقالوا: إن هذا ليس بقياس، وإنما هو استدلال على موضع الحكم لحذف الفوارق الملغاة، وهذا لا ينفعهم فإنه قياس من حيث المعنى لوجود شرائط القياس فيه، ولا عبرة بالتسمية, وأما الرخص فقد قاسوا فيها وبالغوا كما قال الشافعي, فإن الاقتصار على الأحجار في الاستنجاء من أظهر الرخص، وهم قد عدوه إلى كل النجاسات، قال: وأما المقدرات فقد قاسوا فيها حتى ذهبوا إلى تقديراتهم في الدلو والبئر، يعني: أنهم فرقوا في سقوط الدواب إذا ماتت في الآبار، فقالوا في الدجاجة ينزح كذا وكذا، وفي الفأرة أقل من ذلك، وليس هذا التقدير عن نص ولا إجماع فيكون قياسا، واحتجت الحنفية على الحدود بقوله -عليه الصلاة والسلام: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، والقياس شبهة لا دليل قاطع، وعلى المقدرات بأن العقول لا تهتدي إليها، وعلى الرخص بأنها منح من الله تعالى, فلا تتعدى فيها مواردها، وعلى الكفارات بأنها على خلاف الأصل؛ لأنها ضرر والدليل ينفي الضرر، والجواب أنه منقوض بما قلناه. قوله: "وفي العقليات" أي: ذهب أكثر المتكلمين إلى جواز القياس في العقليات إذا تحقق فيها جامع عقلي، إما بالعلة أو الحد أو الشرط أو الدليل. قال في المحصول١: ومنه نوع يسمى إلحاق الغائب بالشاهد بجامع من الأربعة، فالجمع بالعلة وهو أقوى الوجوه, كقول أصحابنا: العالمية في الشاهد يعني المخلوقات معللة بالعلم، فكذلك في الغالب سبحانه وتعالى, وأما الجمع بالدليل فكقولنا: حد العالم شاهدا من له العلم فكذلك في الغائب، وأما الجمع بالدليل فكقولنا: التخصيص والإتقان يدلان على الإرادة، والعلم شاهد فكذلك في الغالب، وأما الجمع بالدليل فكقولنا: شرط العلم، والإرادة في الشاهد وجود الحياة فكذلك في


١ انظر المحصول، ص٤١٤، جـ٢.

<<  <   >  >>