للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغائب. قوله: "وفي اللغات" أي: ذهب أكثر أهل الأدب إلى جواز القياس في اللغات كما نقله عنهم ابن جني في الخصائص، وقال الإمام هنا: إنه الحق، قال: وذهب أصحابنا وأكثر الحنفية إلى المنع، واختاره الآمدي وابن الحاجب, وبه جزم الإمام في المحصول في كتاب الأوامر والنواهي في آخر المسألة، وقد حرر ابن الحاجب محل الخلاف، وحاصله أن الخلاف لا يأتي في الحكم الذي ثبت بالنقل تعميمه لجميع أفراده بالاستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول، ولا في الاسم الذي ثبت تعميمه لأفراد نوع سواء كان جامدا كرجل وأسامة، أو مشتقا كضارب ومضروب، ولا في أعلام الأشخاص كزيد وعمرو فإنها لم توضع لها لمناسبة بينها وبين غيرها وإنما محل الخلاف في الأسماء التي وضعت على الذوات لأجل اشتمالها على معانٍ مناسبة للتسمية يدور معها الإطلاق وجودا وعدما, وتلك المعاني مشتركة بين تلك الذوات وبين غيرها، فحينئذ يجوز على رأي إطلاق تلك الأسماء على غير مسمياتها لاشتراكها معها في تلك المعاني، وذلك كتسمية النبيذ خمرا لاشتراكه مع عصير العنب في الإسكار، وكذلك تسمية اللائط زانيا، والنباش سارقا، وفائدة الخلاف في هذه المسألة ما ذكره في المحصول وهو صحة الاستدلال بالنصوص الواردة في الخمر والسرقة والزنا على شارب النبيذ واللائط والنباش، واحتج المجوزون بعموم قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] وبأن اسم الخمر مثلا دائر مع صفة الإسكار في المعتصر من ماء العنب وجودا وعدما، فدل على أن الإسكار هو العلة في إطلاق الاسم حيث وجد الإسكار وجاز الإطلاق, وإلا تخلف المعلول عن علة، واعتراض الخصم بأنه إنما يلزم من وجود علة التسمية وجود الاسم إذا كان تعليل التسمية من الشارع؛ لأن صدور التعليل من آحاد الناس لا اعتبار به، ولهذا لو قال: أعتقت غانما لسواده لم يعتق غيره من السود، وحينئذ فيتوقف المدعي على أن الواضع هو الله تعالى، وأجاب في المحصول بأنا بينا أن اللغات توقيفية، هذا كلامه وهو مخالف لما قدمه في اللغات فإنه اختار الوقف لا التوقيف، واحتج المانعون بالنقض بالقارورة وشبهها، فإن القارورة مثلا إنما سميت بهذا الاسم لأجل استقرار الماء فيها، ثم إن ذلك المعنى حاصل في الحياض والأنهار مع أنها لا تسمى بذلك، وأجاب الإمام بأن أقصى ما في الباب أنهم ذكروا صورا لا يجري فيها بالقياس. وهو غير قادح كما تقدم مثله عن النظام في القياس الشرعي، وهذا الذي ذكره في القارورة من كونهم لم يستعملوا فيها القياس اللغوي صريح في أنها وضعت للزجاجة فقط، وهو مخالف لما ذكره في الحقيقة العرفية؛ فإنه قال في المحصول هناك في الكلام على ما وضع عاما ثم تخصص بالعرف ما نصه: والخابية والقارورة موضوعان لما يستقر فيه الشيء، ويخبأ فيه, ثم تخصصا بشيء معين. قوله: "دون الأسباب" يعني أن القياس لا يجري في أسباب الأحكام على المشهور، كما قاله في المحصول وصححه الآمدي وابن

<<  <   >  >>