تحسيني؛ لأن الوصف المشتمل على المصلحة إن انتهت مصلحته إلى حد الضرورة فهو الضروري، وإلا فإن كانت في محل الحاجة فهو المصلحي، وإن كانت مستحسنة في العادات فهو التحسيني، فالضروري هو المتضمن لحفظ النفس، أو الدين, أو العقل, أو المال، أو النسب، فأما النفس فمحفوظة بمشروعية القصاص، فإن القتل العمد العدوان مناسب لوجوب القصاص؛ لأنه مقرر للحياة التي هي أجل المنافع، وأما الدين فمحفوظ بمشروعية القتال مع الحربيين والمرتدين، فإن الحرية والردة مناسبة له، وأما العقل فمحفوظ بمشروعية الزجر عن المنكرات، فإنه مناسب له.
وأما المال فمحفوظ بمشروعية الضمان عند أخذه بالباطل. وأما النسب فمحفوظ بمشروعية وجوب الحد على الزنا، وهذه الأشياء مناسبتها ظاهرة وهي المعروفة بالكليات الخمس التي لم تبح في ملة من الملل، وأما المصلحي فكنصب الولي على الصغيرة أي: تمكينه من تزويجها، كما قال في المحصول١ فإن مصالح النكاح غير ضرورية في الحال، إلا أن الحاجة إليه حاصلة وهو تحصيل الكفؤ الذي لو فات لربما فات لا إلى بدل، وأما التحسيني فكتحريم القاذورات, فإن نفرة الطباع منها لخساستها مناسب لحرمة تناولها؛ حثا للناس على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم. ومن هذا القبيل كما قاله في المحصول سلب أهلية الشهادة الولاية عن العبد؛ لأن شرفهما لا يناسب العبد الذي هو نازل المقدار، وأما الأخروي فهو المعالي المذكورة في علم الحكمة في باب تزكية النفس وهي تهذيب الأخلاق، ورياضة النفوس المقتضية لشرعية العبادات فإن الصلاة مثلا وضعت للخضوع والتذلل، والصوم لإنكسار النفس بحسب القوى الشهوانية والعصبية، فإذا كانت النفس زكية تؤدي المأمورات وتجتنب المنهيات حصلت لها السعادات الأخروية, وأما الإقناعي فمثل له من المحصول بتعليل الشافعي رضي الله عنه تحريم بيع الخمر والميتة بالنجاسة. ثم يقيس عليه الكلب والخنزير، والمناسبة أن كونه نجسا يناسب إذلاله، ومقابلته بالمال في البيع إعزاز والجمع بينها متناقض, فهذا وإن كان يظن به في الظاهر أنه مناسب لكنه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأن كونه نجسا معناه أنه لا يجوز الصلاة معه وليس بينه وبين امتناع البيع مناسبة. قال:"والمناسبة تفيد العلية, إذا اعتبرها الشارع فيه كالسكر في الحرمة، أو في جنسه كامتزاج النسبين في التقديم، أو بالعكس كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط الصلاة، أو جنسه في جنسه كإيجاب حد القذف على الشارب؛ لكون الشرب مظنة القذف, والمظنة قد أقيمت مقام المظنون؛ لأن الاستقراء دل على أن الله سبحانه شرع أحكامه لمصالح العباد تفضلا وإحسانا, فحيث ثبت حكم وهناك وصف ولم يوجد غيره ظن كونه علة, وإن لم تعتبر وهو المناسب المرسل اعتبره مالك".