أقول: الوصف المناسب على ثلاثة أقسام, أحدها: أن يلغيه الشارع أي: يورد الفروع على عكسه فلا إشكال في أنه لا يجوز التعليل به؛ ولهذا أهمله المصنف، وذلك كإيجاب صوم شهرين في كفارة الجماع في نهار رمضان على المالك, فإنه وإن كان أبلغ في ردعه من العتق، لكن الشارع ألغاه بإيجابه الإعتاق ابتداء، فلا يجوز اعتباره كما قلنا، وقد أنكروا على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث أفتى بعض ملوك المغاربة بذلك. الثاني: أن يعتبره الشارع أي: يورد الفروع على وفقه، وليس المراد باعتباره أن ينص على العلة أو يومئ إليها، وإلا لم تكن العلة مستفادة من المناسبة, وهذا النوع على أربعة أقسام ذكرها المصنف, أحدها: أن يعتبر الشارع نوع المناسبة في نوع الحكم, كالسكر مع الحرمة, فإن السكر نوع من الوصف, والتحريم نوع من الحكم، وقد اعتبره الشارع فيه حيث حرم الخمر فيلحق به النبيذ، وإلى هذا أشار بقوله: إذا اعتبرها الشارع فيه اعتبر النوع في النوع، وإنما أهمل التصريح به لكونه يعلم مما بعده. واعلم أن المصنف في التقسيم السابق قد جعل الوصف المناسب لتحريم المسكر هو حفظ العقل, ثم جعله هنا نفس السكر. وهذا الثاني لا يوافق تفسيره للمناسب؛ لأن نفس السكر لا يصدق عليه أنه جلب نفعا ولا دفع ضررا. الثاني: أن يعتبر الشارع نوع الوصف في جنس الحكم، وإليه أشار بقوله: أو في جنسه، وتقريره أن يعتبر الشارع النوع في الجنس، وذلك كامتزاج النسبين مع التقديم, فإن امتزاج النسبين وهو كونه أخا من الأبوين نوع من الوصف. وقد اعتبره الشارع في التقديم على الأخ من الأب فإنه قدمه في التراث، وقسنا عليه التقديم في ولاية النكاح والصلاة عليه وتحمل الدية لمشاركتها له في الجنسية, وإن خالفه في النوعية؛ إذ التقديم في ولاية النكاح نوع مغاير للتقديم في الإرث، بخلاف الحكم المتقدم وهو تحريم النبيذ والخمر, فإن الاختلاف هناك بالمحل خاصة ولا أثر له, فيكون تحريمها نوعا واحدا. الثالث: أن يعتبر الشارع جنس المناسبة في نوع الحكم, وإليه أشار بقوله: أو بالعكس، وذلك كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط القضاء, فإن الشارع اعتبر جنس المشقة في نوع سقوط قضاء الركعتين، وإنما جعلنا الأول جنسا، والثاني نوعا؛ لأن مشقة السفر نوع مخالف لمشقة الحيض، وأما سقوط قضاء الركعتين بالنسبة إلى المسافر والحائض فهو نوع واحد. الرابع: أن يعتبر الشارع جنس الوصف في جنس الحكم، أي: قال -رضي الله عنه- في شارب الخمر: أرى أنه إذا شرب هذى وإذا هذى افترى, فيكون عليه حد المفتري يعني القاذف، ووافقه الصحابة على ذلك فقد أوجبوا حد القذف على الشرب، لا لكونه شربا بل أقاموا مظنة القذف وهو الشرب مقام القذف، قياسا على إقامة الخلوة بالأجنبية مقام الوطء في التحريم؛ لكون الخلوة مظنة له, فقد ظهر أن الشارع اعتبر المظنة التي هي جنس لمظنة الوطء ولمظنة القذف في الحكم الذي هو جنس لإيجاب حد القذف ولحرمة الوطء، والمراد بالجنس هنا هو