القريب؛ لأن اعتبار الجنس البعيد في الجنس البعيد هو المناسب المرسل كما ستعرفه، ثم اعلم أن للجنسية مراتب، قال في المحصول: فأعم أوصاف الأحكام كونه حكما، ثم الحكم ينقسم إلى وجوب وغيره، والوجوب إلى عبادة وغيرها، والعبادة إلى صلاة وغيرها، والصلاة إلى نافلة وغيرها، فما ظهر تأثيره في الفرض أخص مما ظهر تأثيره في الصلاة, قال: وكذا في جانب الوصف، فأعم الأوصاف كونه يناط به الحكم، ثم المناسب، ثم الضروري. قوله:"لأن الاستقراء" هو متعلق بقوله: يفيد العلية، وتقديره أن المناسبة في هذه الأقسام الأربعة تفيد العلية؛ لأنا استقرينا أحكام الشرع فوجدنا كل حكم منها مشتملا على مصلحة عائدة إلى العباد، ويعلم منه أن الله تعالى شرع أحكامه لرعاية مصالح عباده على سبيل التفضل والإحسان لا على سبيل الحتم والوجوب خلافا للمعتزلة، وحينئذ فحيث ثبت حكم في الصورة وهناك وصف مناسب له متضمن لمصلحة العبد ولم يوجد غيره من الأوصاف الصالحة للعلية غلب على الظن أنه علة لكون الأصل عدم غيره، وإذا ثبت أنه علة ثبت أن المناسبة تفيد العلية وهو المدعي، وقال الإمام في المعالم: إنه لا يجوز تعليل الأحكام بالمصالح والمفاسد. قوله:"وإن لم تعتبر" هي بالتاء بنقطتين من فوق؛ لأنه قسيم لقوله: والمناسبة تفيد العلية، إذا اعتبرها الشارع فيه، وأشار بهذا إلى القسم الثالث وهو المناسب الذي لا يعلم هل اعتبره الشارع أو ألغاه وهو المسمى بالمناسب المرسل، وفي اعتباره خلاف يأتي مبسوطا في الكتاب الخامس إن شاء الله تعالى. قال الإمام: وذلك إنما يكون بحسب أوصاف هي أخص من كونه وصفا مصلحيا، وإلا فعموم كونه وصفا مصلحيا مشهود له بالاعتبار, ولأجل ما ذكره أعني الإمام عبر عن المناسب المرسل بأنه المناسب الذي اعتبر جنسه في جنسه، ولم يوجد له أصل يدل على اعتبار نوعه، وهذا التفسير الذي فسر بأنه كلام المصنف للمرسل وهو أن لا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه صرح به الآمدي, وكذلك المصنف في الغاية القصوى، وقال ابن الحاجب: المرسل هو الذي لم يعتبره الشارع سواء علم أنه ألغاه أم لم يعلم الاعتبار ولا إلغاء, وإنما حملنا كلام المصنف على الأول لكونه مطابقا لكلامه في الغاية, وموافقا لما نقله عن مالك, فإن مالكا لم يخالف في القسم الذي ألغاه الشارع. قال:"والغريب ما أثر هو فيه ولم يؤثر جنسه في جنسه، كالطعم في الربا, والملائم ما أثر جنسه في جنسه أيضا, والمؤثر ما أثر جنسه فيه. مسألة: المناسبة تبطل بالمعارضة؛ لأن الفعل وإن تضمن ضررا أزيد من نفعه، ولا يصير نفعه غير نفع لكن يندفع مقتضاه". أقول: هذا تقسيم للقسم الأول وهو المناسب الذي علم اعتباره، وحاصله أنه ينقسم باعتبار تأثير نوعه وجنسه في نوع الحكم وجنسه إلى الغريب الملائم والمؤثر, والمناسب الغريب هو الذي أثر نوعه من نوع الحكم، ولم يؤثر