للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضربان الأول: أن يجعل المعترض تعين أصل القياس، أي: الخصوصية التي فيه علة لحكمه، كقول الحنفي: الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء, بالقياس على ما خرج منهما، والجامع هو خروج النجاسة، فيقول المعترض: الفرق بينهما أن الخصوصية التي في الأصل وهي خروج النجاسة من السبيلين, هي العلة في انتقاض الوضوء لا مطلق خروجها. الثاني: أن يجعل تعين الفرع أي: خصوصيته, مانعا من ثبوت حكم الأصل فيه، كقول الحنفية: يجب القصاص على المسلم بقتل الذمي قياسا على غير المسلم, والجامع هو القتل العمد العدوان، فيقول المعترض: الفرق بينهما أن تعين الفرع وهو كونه مسلما, مانع من وجوب القصاص عليه لشرفه. قوله: "الأول" يعني أن الفرق بالطريق الأول، وهو جعل تعين الأصل علة، هل يؤثر أي: يفيد غرض المعترض يقدح في العلية أم لا؟ فيه خلاف ينبني على جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين، فإن جوزناه لم يقدح هذا الفرق؛ لأن الحكم في الأصل إذا علل بالمعنى المشترك بينه وبين الفرع، ثم علل بعد ذلك بتعينه لم يكن التعليل الثاني مانعا من التعليل الأول, إذ لا يلزم منه إلا التعليل بعلتين. والغرض من جوازه وإن منعناه قدح هذا الفرق؛ لأن تعين الأصل غير موجود في الفرع، والحكم مضاف إليه أعني: إلى التعين, فلا يكون أيضا مضافا إلى المشترك وإلا لزم التعليل بعلتين، وأما الثاني وهو الفرق بتعين الفرع، فإنه يؤثر عند من جعل النقض مع المانع قادحا في كون الوصف علة؛ لأن الوصف الذي جعله المستدل علة إذا وجد في الفرع، ولم يترتب الحكم على وجوده لمانع وهو تعين الفرع, فقد تحقق النقض مع المانع، والنقض مع المانع قادح، وأما من لا يجعله قادحا يقول: الفرق بتعين الفرع لا يؤثر؛ لأن تخلف الحكم عنه إنما هو المانع، هذا حاصل كلام المصنف، وقد استفدنا منه أن الفرق بتعين الأصل إنما يؤثر عنده في المستنبطة دون المنصوصة؛ لأنه اختار التفصيل كما تقدم، وأن الفرق بتعين الفرع لا يؤثر مطلقا؛ لأنه اختار أن النقض مع المانع غير قادح، واعلم أن بناء تأثير الفرق الأول على التعليل بعلتين صحيح. وأما الثاني فلا, بل يؤثر مطلقا في دفع كلام المستدل، وبيانه أن الشافعي في مثالنا لما فرق بتعين الفرع وهو كونه مسلما فإن قلنا: إن النقض مع المانع قادح في العلية, فقد فسد دليل المستدل لفساد علته، وهي القتل العمد العدوان، فإنها وجدت في حق المسلم مع تخلف الحكم عنها، وحينئذ فيحصل مقصود الشافعي المعترض، وإن قلنا: إنه غير قادح كانت العلة صحيحة, لكن قام بالفرع وهو المسلم مانع يمنع من ترتب مقتضاها عليها؛ لأن الغرض أن ذلك من باب التخلف المانع، ويستحيل وجود الشيء مع مقارنة المانع منه، وحينئذ فيحصل للشافعي أيضا مقصوده، وهو عدم إيجاب القصاص، فثبت أن بناءه عليه فاسد؛ ولذلك لم يتعرض الإمام وأتباعه ولا ابن الحاجب لهذا البناء أصلا، نعم أطلق الإمام أن قبول الفرق مبني على تعليل الحكم

<<  <   >  >>