للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواحد بعلتين، وإذا حملنا كلامه على الفرق بتعين الأصل لم يرد شيء. قال: "الطرف الثالث في أقسام العلة: علة الحكم، إما محله أو جزؤه، أو خارج عنه، عقلي حقيقي، أو إضافي, أو سلبي، أو شرعي، أو لغوي، متعدية أو قاصرة، وعلى التقديرات إما بسيطة، أو مركبة". أقول: هذا الطرف معقود لبيان أقسام العلة، وبيان ما يصح به التعليل منها، وما لا يصح؛ فنقول: كل حكم ثبت في محل فعله ذلك الحكم على ثلاثة أقسام, وهي إما ذلك المحل كتعليل حرمة الربا في النقدين بكونهما جوهري الأثمان، وإما جزء ذلك المحل، كتعليل خيار الرؤية في بيع الغائب بكونه عقد معاوضة، وإما خارج عنه، والخارج على ثلاثة أقسام: عقلي وشرعي ولغوي، فزاد في المحصول على هذه الثلاثة العرفي، فأما الأمر العقلي فثلاثة أقسام: حقيقي كتعليل حرمة الخمر بالإسكار، وإضافي كتعليل ولاية الإجبار بالأبوة، وسلبي كتعليل عدم وقوع طلاق المكره بعدم الرضا، والمراد بالحقيقي ما يمكن تعلقه باعتبار نفسه، والإضافي ما يتعلق باعتبار غيره. وأما الأمر الشرعي فكتعليل جواز رهن المشاع بجواز بيعه، وأما الأمر اللغوي فكقولنا في النبيذ: إنه سمي خمرا فيحرم كالمعتصر من العنب، والتعليل بهذا جائز على المشهور, وقيل: لا, وقيل: إن كان مشتقا جاز وإلا فلا، هكذا حكاه القرافي وغيره، والقائل بالصحة هو الذي يجوز القياس في اللغات كما تقدم ذكره هناك، وادعى الإمام هنا أنه لا يصح اتفاقا، وليس كذلك فإنه ممن حكى الخلاف هناك، وأما العرفي الذي زاده الإمام فمثل له بقولنا في بيع الغائب: إنه مشتمل على جهالة مجتنبة في العرف، ثم أعاده بعد ذلك ومثل له بالشرف والخسة، والكمال والنقصان. قال: ولكن إنما يعلل به بشرط أن يكون مضبوطا متميزا عن غيره، وأن يكون مطردا لا يختلف باختلاف الأوقات، فإنه لو لم يكن كذلك لجاز أن يكون ذلك العرف حاصلا في زمان الرسول -عليه الصلاة والسلام- وحينئذ لا يجوز التعليل به، وحاصل هذا التقسيم الذي ذكره المصنف سبعة أقسام: منها خمسة في تقسيم الخارج، وهذا على تقدير أن يكون ما بعد الخارج من الأقسام إنما هو أقسام للخارج فقط، وبه صرح في المحصول، ثم العلة إما متعدية أو قاصرة، فالمتعدية هي التي توجد في غير المحل المنصوص عليه كالسكر, والقاصرة بخلاف ذلك، كتعليل حرمة الربا بجوهري الثمنية، وعلى كل واحد من التقديرات المذكورة، فأما أن تكون العلة بسيطة كالأمثلة المذكورة، أو مركبة، وحينئذ فقد تكون مركبة من الصفة الحقيقية والإضافية، كقولنا: قتل صدر من الأب فلا يجب به القصاص، فالقتل حقيقي والأبوة إضافية, أو من الحقيقية والسلبية كتعليل وجوب القصاص بالقتل العمد الذي ليس بحق. قال: "قيل: لا يعلل بالمحل؛ لأن القابل لا يفعل، قلنا: لا نسلم، ومع هذا فالعلة المعرف". أقول: لما ذكر المصنف أقسام العلة, شرع في بيان ما وقع فيه الخلاف منها, وبيان شبه المخالف مع الجواب عنها، وحاصل ما حكي فيه

<<  <   >  >>