الخلاف منها ست مسائل, منها تعليل الحكم بمحله، وقد اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب، أصحها عند الإمام الآمدي وابن الحاجب: أنه إن كانت العلة متعدية فإنه لا يجوز؛ لأنه يستحيل حصول مورد النص بخصوصه في غيره، وإن كانت قاصرة فيجوز، سواء كانت العلة مستنبطة أو منصوصة، فإنه لا استبعاد في أن يقول الشارع: حرمت الخمر لكونه خمرا، ولا في أن يعرف كون الخمر مناسبا لحرمة استعماله. والثاني: لا يجوز مطلقا ونقله الآمدي عن الأكثرين. والثالث: يجوز مطلقا وهو مقتضى إطلاق المصنف، واحتج المانعون بأن محل الحكم قابل للحكم, فإنه لو لم يقبله لم يصح قيامه به، وكذلك كل معنى مع محله، وحينئذ فلو كان المحل علة لكان فاعلا في الحكم؛ لأن العلة تؤثر في المعلول وتفعل فيه، ويستحيل كون الشيء قابلا للشيء وفاعلا فيه كما تقرر في علم الكلام؛ لأن نسبة القابل إلى المقبول بالإمكان، ونسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب، وبين الوجوب والإمكان تناف، وأجاب المصنف بوجهين أحدهما: لا نسلم أن القابل لا يفعل، وقولكم في الاستدلال عليه: إن الوجوب والإمكان متنافيان ممنوع، فإنه إنما يعزم ذلك أن لو كان المراد في الإمكان هو الإمكان الخاص وليس كذلك، بل المراد به الإمكان العام، وقد تقدم أيضا ذلك في الكلام على الاشتراك. الثاني: سلمنا أن القابل لا يفعل, لكن لا نسلم أنه لو كان علة له لكان فاعلا، وإنما يكون كذلك أن لو كان المراد من العلة هو المؤثر ونحن لا نقول به، بل العلة عندنا هو المعرف. واعلم أن الأقول المذكورة في التعليل بالمحل جارية أيضا في التعليل بجزئه, ولكن الصحيح هنا عند الآمدي الجواز مطلقا، وبه جزم المصنف في التقسيم السابق, ونقل أعني الآمدي عن الأكثرين المنع مطلقا, وقال ابن الحاجب: إن كانت العلة قاصرة جاز، وإن كانت متعدية فلا. قال:"قيل: لا يعلل بالحكم غير المضبوطة كالمصالح والمفاسد؛ لأنه لا يعلم وجود القدر الحاصل في الأصل في الفرع، قلنا: لو لم يجز لما جاز بالوصف المشتمل عليها، فإذا حصل الظن بأن الحكم لمصلحة وجدت في الفرع يحصل ظن الحكم فيه". أقول: التعليل قد يكون بالضابط المشتمل على الحكمة، كتعليل جواز القصر بالسفر؛ لاشتماله على الحكمة المناسبة له، وهي اختلاط الأنساب، وقد يكون بنفس الحكمة أي: بمجرد المصالح والمفاسد، كتعليل القصر بالمشقة, ووجوب الحد باختلاط الأنساب، فالأول لا خلاف في جوازه، وأما الثاني ففيه ثلاثة مذاهب حكاها الآمدي, أحدها: الجواز مطلقا، ورجحه الإمام والمصنف وكلام ابن الحاجب يقتضي رجحانه أيضا. والثاني: المنع مطلقا، ونقله الآمدي عن الأكثرين، وأشار إليه المصنف بقوله: قيل: لا يعلل بالحكم, وهو بكسر الحاء وفتح الكاف جمع لحكمة. والثالث واختاره الآمدي: إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز، وإن لم تكن كذلك فلا، كالمشقة فإنها