للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبلها، ومع ذلك فالقياس صحيح، فإن وجوب النية في الوضوء دليل آخر وهو قوله -عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات" نعم إنما يتم ذلك. مثالنا إذا ورد الحديث قبل مشروعية الوضوء فإن كان بعدها فلا؛ لأن المحذور باقٍ، وإلى هذا أشار بقوله: وغير متأخر، وهو منصوب عطفا على خبر كان، وهذا التفصيل قاله الإمام والمصنف وأشار إليه الغزالي في المستصفى ولم يتعرض له الآمدي ولا ابن الحاجب, بل أطلقا المنع. قال: "وشرط الكرخي عدم مخالفة الأصل أو أحد أمور ثلاثة: التنصيص على العلة، والإجماع على التعليل مطلقا، ومرافقة أصول أخر، والحق أنه يطلب الترجيح بينه وبين غيره، وزعم عثمان البتي قيام ما يدل على جواز القياس عليه، وبشر المريسي ١ الإجماع عليه، أو التنصيص على العلة، وضعفهما ظاهر". أقول: لما ذكر المصنف الشروط المعتبرة في الأصل أردفها بشروط اعتبرها فيه بعضهم، فمنها هل يجوز القياس على ما يكون حكمه مخالفا للأصول والقواعد الواردة من جهة الشرع كالعرايا أم لا؟ فيه خلاف، فذهب جماعة من الشافعية والحنفية إلى جواز القياس عليه مطلقا إذا عقل معناه، وجزم الآمدي بأنه كما يجوز مطلقا، وهو مقتضى كلام ابن الحاجب، وقال الكرخي: لا يجوز إلا بأحد أمور ثلاثة, الأول: تنصيص الشارع على علة حكمه؛ لأن تنصيصه على العلة كالتصريح بالقياس عليه. الثاني: أن تجمع الأمة على تعليله فلا يكون من الأحكام التعبدية التي لا تعلل بالاتفاق، ولا من الأحكام التي اختلفت في تعليلها كالتطهير بالماء، ثم إذا أجمعوا على التعليل فلا فرق بين أن يتفقوا على تعين العلة أو يختلفوا فيها، وإليه أشار بقوله: مطلقا. والثالث: أن يكون القياس عليه موافقا لأصول أخر، والحق عند الإمام وأتباعه، ومنهم المصنف، أنه يجب على المجتهد أن يطلب التراجيح بين القياس على هذا الأصل الذي خالف باقي الأصول، وبين القياس على أصول أخر لما يمكن الترجيح به من الطرق المذكورة في ترجيح الأقيسة، فعلى هذا قال الإمام: هذا الأصل الذي ورد على خلاف قياس سائر الأصول إذا كان دليلا مقطوعا به كان أصلا بنفسه، فيكون القياس عليه كالقياس على غيره، فيرجح المجتهد بينهما، وإن لم يكن مقطوعا, فإن كانت علة منصوصة فيجب الترجيح بينهما أيضا؛ لأن القياس على الأصول بأن طريق حكمه معلوم، وإن كان طريق علته غير معلومة وهذا القياس بالعكس فتعادلا، وإن لم تكن علته منصوصة فالقياس على باقي الأصول أولى، وهذه الصورة الأخيرة واردة على المصنف والشافعي, وفي هذه المسألة اختلاف تقدم ذكره في أوائل القياس، وزعم عثمان البتي أنه لا يقاس على أصل حتى يقوم دليل على جواز القياس عليه بخصوصه، عبر


١ بشر المريسي: بشر بن غياث بن أبي كريمة، عبد الرحمن المريسي، والعدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن، فقيه معتزلي, عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة، وهو رأس الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. توفي سنة "٢١٨هـ" "الأعلام ٢/ ٥٥".

<<  <   >  >>