للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحب الحاصل عن هذا بقوله: وزعم عثمان البتي اشتراط قيام ما يدل على جواز القياس، فتبعه المصنف على عبارته ولكنه نسي لفظة اشتراط، ولا بد منها. قال القرافي: والمراد من ورود الدليل إنما هو على الباب من حيث هو لا على المسألة المقاس عليها بخصوصها, فإن كانت المسألة من مسائل النكاح فلا بد من ورود دليل يدل على جواز القياس في النكاح, وإن كانت مسائل الطلاق فلا بد من دليل يدل على جواز القياس فيه. قوله: "وبشر المريسي" أي: وزعم بشر المريسي أن شرط الأصل انعقاد الإجماع على كون حكمه معللا، وثبوت النص على غير تلك العلة، هذا لفظ المحصول، وكلام المصنف يخالفه من وجهين أحدهما: في اشتراك الإجماع على الأصل، والموقع له فيه إنما هو صاحب الحاصل، فإنه قال: زعم بشر المريسي أن شرط القياس أن يكون حكم الأصل مجمعا عليه، والعلة منصوصة, هذا لفظه. والثاني: في اشتراطه أحد الأمرين, والموقع له فيه هو صاحب التحصيل. قوله: "وضعفهما ظاهر" يعني: مذهب البتي ومذهب المريسي، فإن عموم قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] ينفي هذه الشروط، كذلك عمل الصحابة، وذهب قوم إلى أن المحصول بالعدد لا يجوز القياس عليه، حتى قالوا في قوله -عليه الصلاة والسلام: "خمس يقتلن في الحل والحرم" ١: إنه لا يقاس عليه، قال في المحصول: والحق جوازه لما قلناه، وقد قدم المصنف في أوائل القياس مذاهب أخرى تناسب هذين المذهبين، فلو جمع الكل في موضع واحد لكان أولى. قال: "وأما الفرع فشرطه وجود العلة فيه بلا تفاوت، وشرط العلم به والدليل على حكمه إجمالا، ورد بأن الظن يحصل دونهما". أقول: يشترط في الفرع أن يوجد فيه علة مماثلة لعلة الأصل، إما في عينها كقياس النبيذ في الخمر بجامع الشدة المطربة، أو في جنسها كقياس وجوب القياس في الأطراف على القصاص في النفس بجامع الجنابة، وشرط المصنف أيضا أن لا تتفاوت العلتان أي: لا في الماهية ولا في الزيادة ولا في النقصان، كما صرح به في المحصول٢، وهو مخالف لما تقدم عن كون القياس قد يكون مساويا، وقد يكون أولى, وقد يكون أخفى. وإنما شرطنا المماثلة؛ لأن القياس كما تقدم عبارة عن إثبات مثل حكم الأصل في الفرع، وإنما يتصور ذلك عند مماثلة الوصف الموجود في الفرع للوصف الموجود في الأصل، وإلا لم يحصل بين الحكمين تماثل، وإذا وجب تماثل الوصفين وجب عدم التفاوت بينهما، وهو المطلوب وشرط بعضهم حصول العلم بوجود العلة في الفرع، وزعم أن ظن وجوده لا يكفي، وشرط أبو هاشم أن يكون الحكم في الفرع قد دل عليه الدليل إجمالا، حتى يدل القياس على تفصيله. قال: ولولا أن الشرع ورد بميراث الجد جملة وإلا لم تستعمل الصحابة القياس في


١ أخرجه البيهقي في سننه "٥/ ٢٠٩" والذهبي في الطب النبوي "٧٣".
٢ انظر المحصول، ص٤٣٠، جـ٢.

<<  <   >  >>