تكون ثلاثين درهما، فثبت أن الخلاف إنما هو في المعنى، وحينئذ فلا بد من تفسيره ليمكن قبوله أو رده، وهو استفعال من الحسن، يطلق على ما يميل إليه الإنسان ويهواه من الصور والمعاني، وإن كان مستقبحا عند غيره، وليس هذا محل الخلاف لاتفاق الأمة قبل ظهور المخالفين على امتناع القول في الدين بالتشهي فيكون محل الخلاف فيما عدا ذلك، وقد اختلف المتأخرون في التعبير عنه على عبارات كثيرة، ذكر المصنف منها ثلاثا، أحدها ولم يذكره الإمام ولا صاحب الحاصل، بل الآمدي وابن الحاجب: أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد، وتقاصر عنه عبارته، فلا يقدر على إظهاره، وأبطله المصنف بأن الذي يقوم قد يكون صحيحا وقد لا يكون, فلا بد من ظهوره، أي: بيانه لتمييز صحيحه عن فاسده. ولقائل أن يقول: إن أراد المصنف بوجوب إظهاره أنه لا يكون قبل ذلك حجة على المناظر، فهذا واضح لكنه ليس محل الخلاف، وإن أراد أن المجتهد لا يثبت به الأحكام فهو ممنوع، اللهم إلا أن يشك المجتهد في كونه دليلا فإنه لا يجوز العمل به. التفسير الثاني قاله الكرخي: أنه قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى، أي: هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في مسألة بمثل ما حكم به في نظائرها، إلى الحكم بخلافه لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول، وذلك حيث دل دليل خاص على إخراج صورة ما دل عليه العام، كتخصيص أبي حنيفة قول القائل: مالي صدقة بالمال الزكوي دون غيره، فإن الدليل الدال على وجوب الدفاع بالنذر يقتضي وجوب التصدق بجميع أمواله عملا بلفظه، لكن ههنا دليل خاص يقتضي العدول عن هذا الحكم بالنسبة إلى غير الزكوي، وهو قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣] فإن المراد بالمال في الآية هو الزكوي، فليكن كذلك في قول القائل: مالي صدقة، والجامع هو قرينة إضافة الصدقة في المال في الصورتين، واعترض المصنف على هذا التفسير بأنه أن يكون التخصيص استحسانا لانطباقه عليه، ولا نزاع في التخصيص، ولو عبر المصنف بالعكس، فقال: وعلى هذا فالتخصيص استحسانا كما عبرت به لكان أظهر. التفسير الثالث قاله أبو الحسين: أنه ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ، لوجه أقوى منه، يكون كالطارئ على الأول، فأشار بقوله: ترك وجه من وجه الاجتهاد، إلى أن الواقعة التي اجتهد فيها المجتهدون لها وجوه كثيرة واحتمالات متعددة، فيأخذ المجتهدون بواحد منها، ثم إنه يترك ذلك الوجه لما هو أقوى، واحترز بقوله: غير شامل شمول الألفاظ, عن تخصيص العموم, فإن الوجه الأول شامل شمول الألفاظ، احترز بقوله: يكون الطارئ على الأول، عن ترك أضعف القياسين لأجل الأقوى، فإن أقواهما ليس في حكم الطارئ، قال: فإن كان طارئا عليه فهو الاستحسان، ومثال ذلك العنب، فإنه قد ثبت تحريم بيعه الزبيب سواء كان على رأس الشجر أو لا، قياسا على الرطب، ثم إن الشارع أرخص في جواز بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر, فقسنا