للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه العنب، وتركنا القياس الأول؛ لكون الثاني أقوى، فإن احتمل الثاني القوة والطرآن كان استحسانا، وهذا التفسير يقتضي أن يكون العدول عن حكم القياس إلى النص الطارئ عليه استحسانا, وليس كذلك عند القائلين به، واعترض عليه المصنف بأن حاصله يرجع إلى أن الاستحسان هو تخصيص العلة وهو المعبر عنه بالنقض، وليس ذلك مما انفرد به الحنفية، كما سبق إيضاحه في القياس، وفي قول المصنف: إن حاصله تخصيص العلة نظر, بل حاصله كما قاله الآمدي الرجوع عن حكم دليل لطرآن دليل آخر أقوى منه، وهذا أعم من تخصيص العلة، وقد تلخص من هذه المسألة أن الحق ما قاله ابن الحاجب، وأشار إليه الآمدي أنه لا يتحقق استحسان مختلف فيه. قال: "الثاني: قيل: قول الصحابي حجة، وقيل: إن خالف القياس، وقال الشافعي في القديم: إن انتشر ولم يخالف, لنا قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] يمنع التقليد وإجماع الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضا وقياس الفروع على الأصول, قيل: "أصحابي كالنجوم, بأيهم اقتديتم اهتديتم" ١ قلنا: المراد عوام الصحابة. قيل: إذا خالف القياس فقد اتبع الخبر، قلنا: ربما خالف لما ظنه دليلا ولم يكن". أقول: اتفق العلماء كما قاله الآمدي وابن الحاجب على قول الصحابي ليس بحجة على أحد من الصحابة المجتهدين, وهل هو حجة على غيرهم؟ حكى المصنف فيه أربعة أقوال, أحدها: أنه حجة مطلقا، وهو مذهب مالك وأحد قولي الشافعي كما نقله الآمدي، وعلى هذا فهل يخص به عموم كتاب أو سنة؟ فيه خلاف لأصحاب الشافعي حكاه الماوردي. والثاني: أنه إن خالف القياس كان حجة وإلا فلا. والثالث: أن يكون حجة بشرط أن ينتشر ولم يخالفه أحد، ونقله المصنف عن القديم. والرابع, وهو المشهور عن الشافعي وأصحابه: أنه لا يكون حجة مطلقا، واختاره الإمام والآمدي وأتباعهما كابن الحاجب والمصنف، وقد سبق في الإجماع قول: إن إجماع الخلفاء الأربعة حجة، وقول آخر: إن إجماع الشيخين حجة؛ فلذلك لم يذكرهما المصنف هنا. واعلم أن حكاية هذه الأقول على الوجه الذي ذكره المصنف غلط لم ينتبه له أحد الشارحين، وسببه اشتباه مسألة بمسألة, وذلك أن الكلام هنا في أمرين أحدهما: أن قول الصحابي هل هو حجة أو لا؟ وفيه ثلاثة مذاهب، ثالثها: إن خالف القياس كان حجة وإلا فلا. الأمر الثاني: إذا قلنا: إن قول الصحابة ليس بحجة, فهل يجوز للمجتهد تقليده فيه؟ ثلاثة أقوال, الشافعي في الجديد: أنه لا يجوز مطلقا، والثالث وهو قول قديم: أنه إن انتشر جاز وإلا فلا. هكذا صرح به الغزالي في المستصفى، والآمدي في الأحكام, وغيرهما، وأفردوا لكل حكم مسألة، وذكر الإمام في المحصول نحو ذلك أيضا، فتوهم صاحب الحاصل أن المسألة الثانية أيضا من كونه حجة، ولكن


١ أخرجه ابن حجر في تلخيص الحبير "٤/ ١٩٠" وأخرجه أيضا في لسان الميزان "٢/ ٤٨٨" والعجلوني في كشف الخفاء "١/ ١٤٧".

<<  <   >  >>