أقول: الوجه الثاني: الترجيح بوقت الرواية، وقد ذكر المصنف لذلك أمرين أشار إليهما بقوله: فيرجح الراوي في البلوغ ... إلخ، لكن الثاني منهما أنه هو ترجيح بوقت المتحمل لا بوقت الرواية كما سيأتي، والوجهان المذكوران يمكن تقريرهما على وجهين، التقرير الأول: أن يكون المراد أن الراوي لحديث في زمان البلوغ قط راجح على من روى ذلك الحديث مرتين, مرة في بلوغه ومرة في صباه؛ لأن الراوي في هاتين الحالتين يكون متحملا في وقت الصبى بالضرورة، ولا شك أن الاعتماد على ضبط البالغ أكثر. قوله:"والمتحمل" يعني أن المتحمل لحديث في زمان البلوغ راجح الرواية أيضا، على من تحمله مرتين, مرة في صباه ومرة في بلوغه؛ لجواز أن تكون روايته بواسطة تحمله الواقع في حال الصبى دون الواقع في حال البلوغ، وإلى الوقتين أشار بقوله: وفيه أيضا أي في البلوغ منضما إلى ما ذكرناه، وهو الصبى. التقرير الثاني: أن يكون المراد أن الخبر الذي يكون راويه لا يروي في الأحاديث إلا في وقت بلوغه راجح على خبر الذي لم يروها إلا في صباه، أو روى بعضها في صباه وبعضها في بلوغه، لاحتمال أن يكون هذا الخبر من مروياته في حال الصغر، ولم يعلم سامعه بذلك، وكذلك القول في التحمل أيضا, فيرجح الخبر الذي لم يتحمل رواية الأحاديث إلا في زمان بلوغه على من لم يتحمل إلا في زمان صباه، أو تحمل بعضها في صباه وبعضها في بلوغه, لاحتمال أن يكون هذا الخبر من الأحاديث المتحملة في حالة الصغر هذا حاصل التقريرين المشار إليهما، فمن الشارحين من قرره بالأول ومنهم من قرره بالثاني، وكلام الإمام يحتمل كلا منهما. قال: أراد المصنف الثاني وهو الأقرب إلى كلام الإمام فهو صحيح، وإن أراد الأول فهو بعيد في المعنى لا يكاد يوجد التصريح به لأحد، وأيضا ما ذكره في الرواية فهو داخل على هذا التقرير فيما ذكره في التحمل؛ لأن الراوي في البلوغ الذي قدم على الراوي في البلوغ وفي الصبى إن تحمل في البلوغ فتقديمه إنما هو تقديم لمن تحمل في البلوغ على من تحمل في الصبى؛ لأن الرواية في الصبا والبلوغ تستلزم التحمل في الصبى قطعا، وقد ذكره من بعد، وإن كان قد تحمل في الصبى ولكنه روى في البلوغ فقط فكيف يقدم على من شاركه في هذا بعينه، وزاد عليه بأن روى مرة أخرى في البلوغ. لا جرم أن الآمدي وابن الحاجب وصاحب التحصيل لم يذكروا سوى التحمل، وقد وقع كذلك في نسخة بعض الشارحين، فشرحه ثم استدل عليه بأن هذا ترجيح وقت التحمل، وكلامه في الترجيح بوقت الرواية، والنسخة التي وقعت لهذا الشارح غلط. قال:"الثالث: بكيفية الرواية, فيرجح المتفق على رفعه، والمحكي بسبب نزوله وبلفظه، وما لم ينكره راوي الأصل". أقول: الوجه الثالث: بكيفية الرواية، وهو أربعة أمور, الأول: ترجيح الخبر المتفق على رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخبر الذي اختلف في كونه مرفوعا إليه أو موقوفا على الصحابي. الثاني: الخبر المحكي مع سبب نزوله راجح على