الكل لا جائز أن يعاقب على الكل, ولا على كل واحد, ولا على واحد لا بعينه لما قلناه, فلم يبق إلا المعين فثبت بهذه الأدلة الأربعة أن الواجب واحد معين عند الله. واعلم أن لا كلام في أنه يثاب على الكل إذا أتى بذلك معا, إنما الكلام في ثواب الواجب كما نص عليه المحصول والحاصل وغيرهما، فإطلاق المصنف ليس بجيد وثواب الواجب يزيد على ثواب الغفل بسبعين درجة, قاله إمام الحرمين وغيره, وأوردوا فيه حديثا.
قال:"وأجيب عن الأول بأن الامتثال بكل واحد وتلك معرفات, وعن الثاني بأنه يستدعي أحدها لا بعينه كالمعلول المعين يستدعي علة من غير تعيين, وعن الأخيرين بأنه يستحق ثواب وعقاب أمور معينة, ولا يجوز ترك كلها, ولا يجب فعلها" أقول: شرع في الجواب عن الأدلة الثلاثة التي ذكرها القائلون بأن الواجب واحد معين, فأجاب عن الدليل الأول وهو قولهم: إنه إذا أتى بالكل معا فلا جائز أن يكون الامتثال بالكل ولا بكل واحد، ولا بواحد غير معين، فقال: نختار القسم الثاني وهو حصول الامتثال بكل واحد، ولا يلزم اجتماع مؤثرات على أثر واحد؛ لأن هذه الأمور وغيرها من الأسباب الشرعية علامات لا مؤثرات، واجتماع معرفات على معرف واحد جائز كالعالم المعرف للصانع، ولك أن تقول ما تقدم من الدليل على امتناع التأثير بكل واحد جاز بعينه في امتناع التعريف والامتثال به سلمنا, لكن هذا الجواب وإن أفاد الرد على الخصم لكنه يقتضي إيجاب كل واحد لحصول الامتثال به، ومختاره أن الواجب واحد لا بعينه سلمنا أنه لا يقتضي ذلك بل يمكن أن يدعى معه أن الواجب واحد لا بعينه، لكنه قد سلم للخصم بطلانه، وأن غير المعين لا وجود له فإن كان باطلا كما سلم فلا يصح أن يجيب به، وإن لم يكن باطلا بل تسليمه هو الباطل فلا فائدة في هذا التطويل بل كان بحيث ابتدأ باختيار القسم الثالث, فإن الواجب على هذا التقدير يؤدي إليه. واعلم أن تسليمه هو الباطل لثلاثة أمور أحدها: أن ذلك غير مذهبه؛ لأن اختياره أن الواجب واحد لا بعينه، الثاني: أنه مناقض لقوله بعد ذلك أن يستدعي أحدها لا بعينه، الثالث: أن غير المعين إنما لا يوجد إذا كان مجردا عن المشخصات ويوجد إذا كان ضمن شخص بدليل الكلي الطبيعي كمطلق الإنسان, فإنه هو موجود مع أن الماهيات الكلية لا وجود لها. قوله:"وعن الثاني" أجاب عن الدليل الثاني وهو قولهم: إن الوجوب معين فيستدعي معينا, بأنا لا نسلم ذلك بل يستدعي إحدى الخصال لا بعينه وإن كان لا يقع إلا في معين, وأحدها لا بعينه موجود وله تعيين من وجه, وهو أنه أحد هذه الثلاثة, ولك كالمعلول المعين مثل الحدث فإنه يستدعي علة من غير تعيين وهو إما البول أو اللمس أو غير ذلك، وهو الجواب لا ذكر له في كتب الإمام ولا كتب أتباعه، وقد تقدم أنه مخالف لما سلمه للخصم, لكنه صحيح في نفسه. قوله:"وعن الآخرين" أي: وأجيب عن الآخرين وهما للثواب والعقاب, أنه إذا أتى بالكل فيستحقّ