وابن الحاجب أنه لا يجوز لا للمجتهد ولا للعامي؛ لأن تحصيل العلم في الأصول واجب على الرسول لقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: ١٩] , وإذا وجب عليه وجب علينا لقوله تعالى:{فَاتَّبِعُوهُ}[الأعراف: ١٥٨] .
واعترض عليه بأن الدليل خاص بالتوحيد، والدعوى عامة فلا يفيد المطلوب، واستدل المجوز بالقياس على جواز التقليد في المسائل الفروعية، وأجاب الأولون بأن المسائل الفروعية غير متناهية، فيعسر على العامي الوقوف عليها بخلاف المسائل الأصولية فإنه لا عسر فيها لقلتها. وتوقف المصنف في هذه المسألة لتعارض الأدلة من الجانبين عنده من غير ترجيح؛ فلهذا قال: ولنا فيه نظر، ونقل الآمدي وابن الحاجب عن بعضهم أن النظر فيه حرام وهو ظاهر كلام الشافعي، وهذه المسألة محلها علم الكلام؛ فلذلك اختصر فيه المصنف. "فرعان" حكاهما الإمام, الأول: إذا وقعت للمجتهد حادثة فاجتهد فيها وأفتى ثم وقعت له ثانيا, فإن كان ذاكرا لما مضى من طريق الاجتهاد فهو مجتهد، ويجوز له الإفتاء به، وإن نسيه لزمه استئناف الاجتهاد، وحينئذ فإذا تغير اجتهاده لزمه العمل بالثاني، والأحسن تعريف المستفتي بالتغير لئلا يعمل به, قال: ولقائل أن يقول: لما كان الغالب على ظنه أن الطريق الذي تمسك به أولا كان طريقا قويا، لزم بالضرورة أن يحصل له الظن بأن تلك الفتوى حق، وحينئذ فيجوز له الفتوى به؛ لأن العمل بالظني واجب، وقد صحح ابن الحاجب أن تجديد الاجتهاد لا يجب، ولم يفصل بين الذاكر وغيره، مع أن الآمدي حكى فيه أقوالا ثلاثة, وصحح التفصيل. "الثاني": اتفقوا على أن العامي لا يجوز له أن يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد والورع، وذلك بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد الخلق، ويرى إجماع المسلمين على سؤاله, فإن سأل جماعة فاختلفت فتاويهم, فقال قوم: يجب عليه الاجتهاد في أورعهم وأعلمهم، وقال آخرون: لا يجب ذلك, ثم إذا اجتهد فإن ترجح أحدهما مطلقا في ظنه تعين العمل بقوله, وإن ترجح أحدهما في الدين واستويا في العلم وجب القول بأخذ الأدين، وإن ترجح في العلم واستويا في الدين فمنهم من خيره، ومنهم من أوجب الأخذ بقول الأعلم وهو الأقرب، وإن ترجح أحدهما في الدين وترجح الآخر في العلم فقيل بقول الأدين، والأقرب الأخذ بقول الأعلم، وإن استويا مطلقا فقد يقال: لا يجوز وقوعه, كما قد قيل في استواء الأمارتين، وقد يقال بجوازه وحينئذ فإذا وقع ذلك يخير، ورجح ابن الحاجب جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وحكى خلافا في استفتاء المفضول سبقه إليه الغزالي ثم الآمدي، وهو وارد على الإمام في دعواه الاتفاق على المنع كما تقدم. "فرعان" حكاهما ابن الحاجب، أحدهما: يجوز خلو الزمان عن المجتهد خلافا للحنابة، لنا قوله -عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه, ولكن يقبض