للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثالث, قاله بعض أهل العراق: يجوز فيما يخصه دون ما يفتي به, والرابع: يجوز فيما يفوت وقته أي: مما يخصه أيضا كما نبه عليه الآمدي، ولا يجوز فيما لا يفوت وقته، والخامس وهو مذهب محمد بن الحسن: يجوز تقليد الأعلم لا تقليد المساوي والأدون، والسادس: يجوز تقليد الصحابي بشرط أن يكون أرجح في نظره من غيره وما عداه لا يجوز, وقد تقدم نقله عن الشافعي، والسابع: يجوز تقليد الصحابي والتابعي دون غيرهما، وحكى الآمدي ثامنا عن ابن سريج لم يذكره ابن الحاجب: أنه يجوز تقليد الأعلم بشرط تعذر الاجتهاد، وهذا الخلاف إنما هو في الجواز لا في الوجوب، كما نبه عليه الإمام في أثناء هذه المسألة. قوله: "قيل: معارض" يعني: أن الاستدلال على المنع بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] معارض بثلاثة أدلة، أحدها: قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: ٧] فإنه يدل على جواز السؤال لمن لا يعلم كان مجتهدا أو غير مجتهد، والمجتهد قبل اجتهاده غير عالم، فوجب أن يجوز له ذلك. الثاني: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] فإنه يدل على قبول قول أولي الأمر على كل أحد مجتهدا كان أو غيره، والعلماء من أولي الأمر لأن أمرهم ينفذ على الأمراء والولاة، فيكون قولهم معمولا به في حق المجتهد والمقلد. الثالث: الإجماع, فإن عبد الرحمن بن عوف قال لعثمان -رضي الله عنهما- حين عزم على مبايعته: أبايعك على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيره الشيخين, فالتزمه عثمان, وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهما أحد، فكان ذلك إجماعا على جواز أخذ المجتهد بقول المجتهد الميت. وإذا جاز ذلك جاز الأخذ بقول الحي بطريقة الأولى، وأجاب المصنف عن الأول وهو قوله: {فَاسْأَلُوا} بأنه مخصوص بالعوام، ولو كان شاملا للمجتهدين غير العاملين لكان يجوز للمجتهد ذلك بعد الاجتهاد أيضا؛ لكونه ظانا بالحكم لا عالما به, لكنه لا يجوز اتفاقا كما تقدم. قال الإمام: ومقتضاه وجوب السؤال وهو غير واجب بالإجماع، ولأنه أمر بالسؤال من غير تعيين المسئول عنه، وهو مطلق يصدق بصورة، وقد قلنا بهذا السؤال عند الأدلة عن الثاني، وهو قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} الآية بأن ذلك إنما ورد في الأقضية دون المسائل الاجتهادية، أو نقول: إنه مطلق ولا عموم فيه فيكفي حمله على الأقضية, وعن الثالث وهو الإجماع أن المراد بالسيرة إنما هو لزوم العدل والإنصاف بين الناس، والبعد عن حب الدنيا لا الأخذ بالاجتهاد. قال: "الثالثة: إنما يجوز في الفروع، وقد اختلف في الأصول. ولنا فيه نظر، وليكن هذا آخر كلامنا, والله الموفق والهادي للرشاد". أقول: المسألة الثالثة: فيما يجوز فيه الاستفتاء وما لا يجوز، فنقول: يجوز للعامي الاستفتاء في الفروع على ما فيه من الخلاف المذكور في المسألة السابقة, واختلفوا في الأصول كوجود الصانع ووحدته، وإثبات الصفات ودلائل النبوة، فالأكثرون على ما نقله الآمدي واختاره هو والإمام

<<  <   >  >>