للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الإباحة لجواز معرفته بفعل الصغير وشبهه. وقوله: "وقال الآخرون" يجوز فيه خانه وهو ظاهر، وكسرها لأنه قسيم قوله: احتج الأولون وحاصله أن القائلين بالتحريم احتجوا بأنه تصرف في ملك الله تعالى بغير إذنه, فيحرم قياسا على الشاهد وهم المخلوقات, ورد هذا القياس بالفرق, وهو أن الشاهد يتضرر بذلك دون الغائب سبحانه وتعالى، وهذا الجواب أخذه المصنف من الحاصل وأجاب الإمام بمعارضة هذا الدليل بالدليل الدال على الإباحة, وهو القياس على الاستظلال, والأول أحسن.

قال: "تنبيه: عدم الحرمة لا يوجب الإباحة؛ لأن عدم المنع أهم من الإذن" أقول: هذا جواب عن سؤال مقدر أورده الفريقان على القائلين بالتوقف بمعنى أنه لا حكم، فقالوا: هذه الأفعال إن كانت ممنوعا منها فتكون محرمة، وإلا فتكون مباحة، ولا واسطة بين النفي والإثبات، وأجاب عنه في المحصول بوحهين, الأول: وهو على تقدير أن يفسر الوقف بعد الحكم هو الحظر أو الإباحة, فسقط السؤال والجواب. الثاني: وهو على تقدير أن يفسر الوقف بعد الحكم فنقول: أما قولكم: إن كانت هذه التصرفات ممنوعا منها, فتكون محرمة فإنه مسلم، وأما قولكم: إذا لم تكن ممنوعا منها فتكون مباحة فغير مسلم؛ لأنه قد يوجد عدم المنع من الفعل، ولا توجد الإباحة بدليل فعل غير مكلف كالنائم فإنه ليس ممنوعا منه، ومع ذلك لا يسمى مباحا؛ لأن المباح هو الذي أعلم فاعله، أو دل بأنه لا حرج في فعله ولا في تركه. فإذا لم يوجد هذا الإذن لا توجد الإباحة فتلخص أن عدم المنع من الفعل أعم من الإذن فيه؛ لأنه قد يوجد معه وقد لا يوجد، والأعم لا يستلزم الأخص فيكون عدم الحرمة لا يستلزم الإباحة، فيصبح تفسير الوقف بعدم الحكم, وفيما قاله نظر؛ لأن المراد من الإباحة في هذه الصورة هي الإباحة العقلية، وهي عدم المنع لا الإباحة الشرعية حتى يقال: لا بد فيها من الإذن.

"واعلم" أن المصنف لم يتعرض لمن يورد عليه السؤال ولا لكيفية إيراده، وقد ظهر أنه لا يرد من أصله على المصنف لأمرين أحدهما: أنه لم يصرح باختيار الوقف, الثاني: أنه فسر الوقف بعدم العلم, ولا يرد أيضا على الإمام في الحقيقة لما تقدم لك من كونه يختار التفسير بعدم العلم أيضا، وحاصله: أنه إيراد على تفسير لم يرتضه عن قائل غلط في نسبته إليه كما تقدم لمذهب لم يختره، وقد التبس المقصود على كثير من شراح هذا الكتاب, فاجتنب ما وقعوا فيه من الوهم.

<<  <   >  >>