الخالي عن أمارة المفسدة ومضرة المالك, والقياس إنما يصح عند اشتراكهما في العلة, فإن قيل: وجدنا الإباحة دائرة مع هذه الأوصاف وجودا أو عدما، أي: متى وجدت هذه الأوصاف وجدت الإباحة, ومتى عدمت عدمت، فدل ذلك على أنها هي العلة, فالجواب: أن دلالة الدوران على كون الوصف علة للشيء الذي دار معه دلالة ضعيفة على ما سيأتي في القياس؛ لأن الراجح أنها لا تفيد القطع بل الظن، وفي هذا نظر لأن الدوران يفيد القطع بالعلية عند المعتزلة كما نقله صاحب الحاصل وغيره، فقوله: بمنع الأصل أي: المقيس عليه وقوله: وعليه الأوصاف أي: وبمنع علية الأوصاف، وهي كونها علة، وقوله: والدوران ضعيف جواب عن سؤال مقدر. قال التبريزي في مختصر المحصول المسمى بالتنقيح: القياس على الاستظلال وشبهه فاسد، إذ لا تصرف فيه البتة، ولذلك يصح من المالك المنع منها بخلاف ما نحن فيه، قال: ثم إنه معارض بأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولا ضرر فيه على الملك فكان حراما كنقل الحديد من موضع إلى موضع، وشبهه مما لا ضرر فيه البته. قوله:"وعن الثاني" أي: الجواب عن الدليل الثاني وهو قولهم: إن الله تعالى خلق المآكل اللذيذة لغرضنا من وجهين, أحدهما: أن أفعال الله تعالى لا تعلل بالأغراض، وهذا الكلام من المصنف يحتمل نفي التعليل مطلقا، ونفي التعليل بالغرض، أي: لا نسلم أن الله تعالى يجب تعليل أحكامه بل له أن يفعل ما شاء من غير فائدة ومنفعة أصلا، كما نقلناه عن المحصول في الفرع قبله أو معناه: لا نسلم صحة إطلاق الغرض في حق الله تعالى، وإن كان فعله لا بد من مصلحة لنا. الثاني: سلمنا صحة تعليله بالغرض لكن لا نسلم أن الغرض محصور في الأربعة التي ذكروها, فإنهم لم يقيموا حجة على الحصر، ونحن ننازع فنقول: يجوز أن يكون الغرض في خلقها هو التنزه بمشاهدتها، أو الاستنشاق بروائحها، أو الاستدلال على معرفة الصانع باختلاف ألوانها، وأشكالها الغريبة، والجواب الأول فيه نظر؛ لأن الكلام في هذين الشرعين إنما هو بعد تسليم أن العقل يحسن ويقبح، ومع تسليمه تجب مراعاة المصالح والمفاسد ويمتنع الخلق لا المعنى، وهذان الجوابان ذكرهما صاحب الحاصل فتبعه المصنف عليهما، ولم يجب الإمام بشيء منهما, وإنما أجاب بالنقض بخلق الطعوم المهلكة، وذلك يدل على أن الغرض ليس محصورا في النفع بل قد يكون خلقها للإضرار، ولم يرتض صاحب التحصيل هذا الجواب الذي ذكره الإمام قال: لأنه يمكن الانتفاع بالمؤذي بالتركيب مع ما يصحله, ثم أجاب بجوابين, أحدهما: منع الحصر كما تقدم، والثاني: أنه يمكن معرفته بتناول واقع في غير حال التكليف كالواقع في حال الصغر أو السهو، ونحن لا نسمي فعل غير المكلف مباحا, فتخلص من هذه الأجوبة كلها، أن نقول: لا نسلم أنه خلقها لغرض سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه خلقها للنفع, فقد يكون الغرض هو الإضرار كالسموم، سلمنا أنه نفع فلا نسلم الحصر في الأربعة، سلمنا انحصاره لكن لا يدل