للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي متحدة في المعنى إذا تقرر ذلك، فالقسم الخامس جائز واقع اتفاقا إذ لو لم يكونوا مأمورين بذلك لما عصموا باستمرارهم على الكفر، ونقل الآمدي عن بعض التنويه أنه منع جوازه، والرابع أيضا واقع عند الأشعري بمقتضى الأصل الذي أصله, وأما الثلاثة الأوائل فهي محل النزاع، وممن صرح بذلك مع وضوحه القرافي في شرح المحصول والتنقيح وحاصل ما فيها من الخلاف ثلاثة مذاهب أصحها عند المصنف، أنه يجوز مطلقا وهو اختيار الإمام وأتباعه، والثاني: المنع مطلقا ونقله في المحصول عن المعتزلة واختاره ابن الحاجب, ونص عليه الشافعي كما نقله الأصفهاني في شرح المحصول عن صاحب التلخيص، والثالث: إن كان ممتنعا لذاته فلا يجوز, وإلا فيجوز واختاره الآمدي، وإذا قلنا بالجواز ففي وقوعه مذاهب أحدها: المنع مطلقا سواء كان ممتنعا لذاته أم لا، والثاني: الوقوع فيهما واختاره في المحصول، والثالث: التفصيل وهو اختيار المصنف كما سيأتي وقد تردد النقل عن الشيخ أبي الحسن الأشعري قال البرهان: وهذا سوء معرفة بمذهبه، فإن التكاليف كلها عنده تكليف بما لا يطاق لأمرين أحدهما: أن الفعل مخلوق لله تعالى فتكليفه به تكليف بفعل غيره، الثاني: أنه لا قدرة عنده إلا حال الامتثال والتكليف سابق، وهذا التخريج لا يستلزم وقوع الممتنع لذاته فافهمه، وهذا كله في التكليف بالمحال أما التكليف المحال بإسقاط الباء ففي جوازه قولان للأشعري, وقد تقدم الفرق في تكليف الغافل, ثم استدل المصنف على الجواز بقوله؛ لأن حكمه لا يستدعي غرضا أي: إنما يستحيل الأمر بما لا يقدر المكلف عليه إذا كان غرض الآمر حصوله المأمور به, وحكمه تعالى لا يستدعي غرضا البتة لاستثنائه، وورود الأمر بهذا ليس للطالب كما نقله إمام الحرمين في الشامل عن أصحابنا، بل إن كان ممتنعا لذاته فالأمر به للإعلام بأنه معاقب لا محالة؛ لأن له تعالى أن يعذب من يشاء، وإن كان ممتنعا لغيره فالأمر به لفائدة الأخذ في المقدمات، وهذا الدليل لا يتوجه على المعتزلة؛ لأنهم يمنعون هذه القاعدة. قوله: "قيل: لا يتصور وجوده فلا يطلب" يمكن تقريره على وجهين أحدهما: أن المحال لا يمكن وجوده في الخارج من المكلف وإذا كان كذلك فلا يطلب لأن طلبه عبث، وجواب هذا بمنع المقدمة الثانية فإنها محل النزاع، التقرير الثاني: أن المحال لا يتصور العقل وجوده وكل ما لا يتصور العقل وجوده لا يطلب، ينتج أن المحال لا يطلب، أما بيان الصغرى فلأن كل ما يتصوره العقل فهو معلوم؛ لأن التصور قسم من أقسام العلم وكل العلوم فهو متميز بالضرورة وكل متميز فهو ثابت؛ لأن التميز صفة وجودية والصفة الوجودية لا بد لها من موصوف موجود وإلا لزم قيام الموجود بالمعدوم وهو محال، فلو كان المحال متصورا لكان ثابتا, لكنه غير ثابت فلا يكون متصورا، وأما بيان الكبرى فلأن ما لا يتصور العقل وجوده فهو مجهول، وطلب الشيء مع الجهل به محال، وهذا التقرير قد صرح به الإمام والآمدي وأتباعهما وهو مراد المصنف،

<<  <   >  >>