للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوابه منع المقدمة الأولى؛ لأنه لو كان غير متصور لامتنع الحكم عليه بعين ما قالوه، ولكنهم حكموا عليه بالاستحالة، وقوله: غير واقع, هو خبر ثانٍ للتكليف بالمحال, جائز غير واقع بالممتنع لذاته، وحاصله أن المصنف اختار التفصيل بين الممتنع بالذات وبين غيره، وقد تقدم التنبيه على ذلك وأنه على خلاف رأي الإمام, ثم ذكر للممتنع بالذات مثالين أحدهما: إعدام القديم أي: الذي لا أول لوجوده وهو البارئ سبحانه وتعالى, فإنه قد تقرر في علم الكلام أن كل قديم وجودي يمتنع عليه العدم واحترزوا بالوجودي عن الأزلي فإنه قديم ولا يمتنع عدمه؛ لأن مفهومه عدمي وهو سلب الابتداء. الثاني: قلب الحقائق ومقتضى هذه العبارة أن قلب الحيوان جمادا والحجر ذهبا ونحوهما ممتنع لذاته وليس كذلك بل امتناعه لعجز الفاعل كما قيل في خلق الأجسام؛ لأنا لو قدرنا وقوعه لما كان يلزم منه محال، وقد صرح به مع وضوحه ابن الحاجب في أوائل مختصره, فينبغي حمل ذلك على القلب مع بقاء حقيقة الأول وحينئذ فيكون جمعا بين النقيضين وهو ممتنع لذاته, وبتقدير أولا يؤول كلامه فتستفيد منه أنه منع وقوع ما وقع فيه الخلاف، ثم استدل المصنف على عدم الوقوع بأمرين أحدهما: الاستقراء وعبر عنه المتكلمون بالسبر والتقسيم, والاستقراء هو الاستدلال بثبوت الحكم في الجزئيات على ثبوته للقاعدة الكلية، وهو مأخوذ من قولهم: قرأت الشيء قرآنا أي: جمعته وضممت بعضه إلى بعض، حكاه الجوهري وغيره، والسبر فيه للطلب, فلما كان المجتهد طالبا للأفراد جامعا لها لينظر هل هي متوافقة أم لا, عبر عن ذلك بالاستقراء، وحاصل الدليل أنا تتبعنا التكاليف فلم نجد فيها ما هو ممتنع بالذات, الثاني: قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] ووجه الدلالة: أن الآية لم تنف الجواز، وإنما نفت الوقوع عما ليس في الوسع. قوله: "قيل: أمر أبا لهب" يعني أن التكليف بالمستحيل لذاته قد وقع؛ وذلك لأن أبا لهب قد أمر بالإيمان بكل ما أنزل الله تعالى يعني بالتصديق به ومنه أي: ومما أنزل الله تعالى أنه لا يؤمن فقد صار أبو لهب مأمورا بأن يصدقه في أنه لا يؤمن، وإنما يحصل التصديق بذلك إذا لم يؤمن فصار مكلفا بأنه يؤمن وبأنه لا يؤمن, وهو جمع بين النقيضين، وهذا يحتمل أن يكون دليلا للقائلين بالوقوع، ويحتمل أن يكون نقضا منهم للدليل السابق وهو الاستقراء، وأجاب المصنف بأن ذلك إنما يلزم إذا كان الأمر بالإيمان بكل ما أنزل الله تعالى واردا بعد إنزال الله تعالى أنه لا يؤمن؛ لأنه إذا كان كذلك كان مأمورا بالإيمان به في الماضي، ومن جملته أنه لا يؤمن فيلزم المحال، ونحن لا نسلم ذلك بل يجوز أن يكون قد كلفه أولا بالإيمان بكل ما أنزل, ثم بعد ذلك أنزل أنه لا يؤمن، وعلى هذا التقدير فلا يلزم المحال لأن إخباره بأنه لا يؤمن ليس هو من الأشياء التي كلف بتصديقها؛ لكونه متأخرا عن الدليل الدال على الوجوب، وهذا الجواب باطل، بل هو مأمور بتصديق ما نزل وما سينزل إجماعا، والصواب ما قاله

<<  <   >  >>