للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أفعله يجوز فيه أفعل من كذا، وكذلك بالعكس منه: وكذلك بالعكس منه: ما جاز فيه ما أفعله جاز فيه أفعل من كذا، فإذا ثبت أنه يمتنع في كل واحد منهما ما يمتنع في الآخر، ويجوز فيه ما يجوز في الآخر، دلّ على أنهما بمنزلة واحدة، وكذلك القول في "أَفْعِل به" في الجواز والامتناع، فإذا ثبت هذا فوجب أن يجوز استعمال ما أفعله من البياض.

وأما القياس فقالوا: إنما جوزنا ذلك من السواد والبياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا الألوان، ومنهما يتركب سائرها من الحمرة والصفرة والخضرة والصُّهْبَة والشُّهْبَة والكُهْبَة إلى غير ذلك، فإذا كانا هما الأصليين للألوان كلها جاز أن يثبت لهما ما لا يثبت لسائر الألوان؛ إذ كانا أصلين لها ومتقدمين عليها.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنه لا يجوز استعمال "ما أفعله" من البياض والسواد أنا أجمعنا على أنه لا يجوز أن يستعمل مما كان لونًا غيرهما من سائر الألوان؛ فكذلك لا يجوز منهما، وإنما قلنا ذلك لأنه لا يخلو امتناع ذلك: إما أن يكون لأن باب الفعل منهما أن يأتي على افْعَلّ نحو احمرّ واصفرّ واخضرّ وما أشبه ذلك، أو لأن هذه الأشياء مستقرة في الشخص لا تكاد تزول فجرت مجرى أعضائه، وأي العلتين قدرنا وجدنا المساواة بين البياض والسواد وبين سائر الألوان في علة الامتناع؛ فينبغي أن لا يجوز فيهما كسائر الألوان.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقول الشاعر:

[٨٩]

فأنت أبيضهم سربال طباخ

فلا حجّة فيه من وجهين؛ أحدهما: أنه شاذ فلا يؤخذ به، كما أنشد أبو زيد:

[٩١]

يقول الخَنَا وأَبْغَضُ العُجْم نَاطقًا ... إلى ربِّنَا صوت الحمار اليُجَدَّعُ


[٩١] هذان البيتان من كلام ذي الخرق الطهوي، وليسا متتاليين في كلامه كما قد يظن من صنيع المؤلف. بل بين أولهما وثانيهما بيتان، وقد استشهد بالبيت الأول رضي الدين في شرح الكافية، وشرحه البغدادي في الخزانة "١/ ١٥ و ٢/ ٤٨٨" وأنشده ابن منظور "ج د ع" مع بيت سابق عليه ونسبهما لذي الخرق، وأنشده مرة أخرى "ل وم" وذكر له نظائر كثيرة، وأنشده الأشموني "١/ ١٧١ بتحقيقنا" واستشهد به ابن هشام في المغني "رقم ٦٨" وقد روى أبو زيد في نوادره "ص٦٦ و ٦٧" سبعة أبيات يقع أول هذين البيتين ثانيها، ويقع ثاني البيتين خامسها، والخنى: الفاحش من الكلام، وأبغض: أفعل تفضيل من البغض، وفعله بغض فلان إلي، وتقول: ما أبغضني إلى فلان؛ إذا كان هو المبغض لك، وقالوا: ما أبغضني لفلان؛ إذا كنت المبغض له، والعجم: جمع أعجم أو عجماء، والأعجم: =

<<  <  ج: ص:  >  >>