للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٥- مسألة: [واو رُبَّ، هل هي التي تعمل الجر؟] ١

ذهب الكوفيون إلى أن واو رب تعمل في النكرة الخفض بنفسها وإليه ذهب أبو العباس المُبَرِّد من البصريين. وذهب البصريون إلى أن واو رب لا تعمل، وإنما العمل لربَّ مقدرة.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن الواو هي العاملة لأنها نابت عن رُبّ، فلما نابت عن رُبّ وهي تعمل الخفض فكذلك الواو لنيابتها عنها، وصارت كواو القسم؛ فإنها لما نابت عن الباء عملت الخفض كالباء، فكذلك الواو ههنا: لما نابت عن رُبّ عملت الخفض كما تعمل رُبّ، والذي يدل على أنها ليست عاطفة أن حرف العطف لا يجوز الابتداء به، ونحن نرى الشاعر يبتدئ بالواو في أول القصيدة، كقوله:

[٢٣٦]

وبَلَدٍ عَامِيَةٍ أَعْمَاؤُهُ


[٢٣٦] هذا بيت من مشطور الجرز، وبعده قوله:
كأن لون أرضه سماؤه
وهو من كلام رؤبة بن العجاج، وقد أنشده ابن منظور "ع م ى" وعزاه إليه، وانظر ما ذكرناه في بحث القلب "ص٣٧٤" والأعماء: المجاهل، واحدها عمى -بوزن فتى- ومعنى قوله "عامية أعماؤه" أن مجاهله متناهية في العمى، وهو باب من المبالغة مثل قولهم: ليل أليل، وليل لائل، ويوم أيوم، وشعر شاعر، كأنهم لم يجدوا ما يصفونه به إلا أن يشتقوا له وصفًا من لفظه، وكأن رؤبه قد قال أعماؤه عامية، فقدّم وأخّر، وهم قلّما يأتون بهذا الضرب من المبالغة إلا على طريق الوصف كقولهم: شغل شاغل، وليل لائل، وما ذكرناه قريبًا، لكن رؤبة قد اضطر فقدّم وأخّر، وقوله "كأن لون أرضه سماؤه" من المقلوب، =

<<  <  ج: ص:  >  >>