٧٦- مسألة:[عامل النصب في الفعل المضارع بعد فاء السببية] ١
ذهب الكوفيون إلى أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب الستة الأشياء -التي هي الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض- ينتصب بالخلاف، وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بإضمار أن، وذهب أبو عمر الجرمي إلى أنه ينتصب بالفاء نفسها؛ لأنها خرجت عن باب العطف، وإليه ذهب بعض الكوفيين، والكلام في هذه المسألة على طريق الإجمال كالكلام في المسألة التي قبلها، فأما الكلام على سبيل التفصيل فنقول:
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن الجواب مخالف لما قبله؛ لأن ما قبله أمر أو نهي أو استفهام أو نفي أو تمنٍ أو عرض، ألا ترى أنك إذا قلت:"إيتنا فنكرمك" لم يكن الجواب أمرًا، فإذا قلت "لا تنقطع عنا فَنَجْفُوكَ" لم يكن الجواب نهيًا، وإذا قلت "ما تأتينا فتحدثنا" لم يكن الجواب نفيا، وإذا قلت:"أين بيتك فأزورك" لم يكن الجواب استفهاما، وإذا قلت:"ليت لي بعيرا فأحج عليه" لم يكن الجواب تمنيا، وإذا قلت:"ألا تنزل فتصيب خيرا" لم يكن الجواب عرضا، فلما لم يكن الجواب شيئا من هذه الأشياء كان مخالفا لما قبله وإذا كان مخالفا لما قبله وجب أن يكون منصوبًا على الخلاف على ما بينا.
وأما البصريون فقالوا: إنما قلنا: إن "هـ" منصوب بتقدير "أن" وذلك لأن الأصل في الفاء أن يكون حرف عطف، والأصل في حروف العطف أن لا تعمل؛ لأنها تدخل تارة على الأسماء وتارة على الأفعال، على ما بينا فيما تقدم؛ فوجب أن لا تعمل، فلما قصدوا أن يكون الثاني في غير حكم الأول وحوِّل المعنى حوِّل إلى الاسم، فاستحال أن يضم الفعل إلى الاسم، فوجب تقدير "أن"؛ لأنها مع الفعل
١ انظر في هذه المسألة شرح الأشموني مع حاشية الصبان "٣/ ٢٥٨" وما ذكرناه من المراجع في المسألة السابقة.