٢٠- مسألة: [القول في تقديم معمول خبر"ما" النافية عليها]
ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز "طَعَامَكَ ما زيدٌ آكِلًا" وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز. وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى ثَعْلَب من الكوفيين إلى أنه جائز من وجه فاسد من وجه؛ فإن كانت "ما" ردًا لخبر كانت بمنزلة لم ولا يجوز التقديم، كما تقول لمن قال في الخبر "زيد أكل طعامك" فترد عليه نافيًا "ما زيد آكلًا طعامك" فمن هذا الوجه يجوز التقديم؛ فتقول "طعامك ما زيد آكلًا" فإن كان جوابًا للقسم إذا قال "والله ما زيد بآكل طعامك" كانت بمنزلة اللام في جواب القسم؛ فلا يجوز التقديم.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما جوزنا ذلك لأن ما بمنزلة لم ولن ولا؛ لأنها نافية كما أنها نافية، وهذه الأحرف يجوز تقديم معمول ما بعدها عليها، نحو "زيدًا لم أضرب، وعمرا لن أُكْرِم، وبشرًا لا أُخْرِجُ" فإذا جاز التقديم مع هذه الأحرف فكذلك مع ما.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن "ما" معناها النفي، ويليها الاسم والفعل؛ فأشبهت حرف الاستفهام، وحرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله، فكذلك ههنا:"ما" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن ما بمنزلة لم ولن ولا" قلنا لا نسلم؛ لأن "ما" يليها الاسم والفعل، وأما لم ولن فلا يليهما إلا الفعل؛ فصارا بمنزلة بعض الفعل، بخلاف ما فإنها يليها الاسم والفعل، وأما لا فإنما جاز التقديم معها وإن كانت يليها الاسم والفعل لأنها حرف متصرف فعمل ما قبله فيما بعده، ألا ترى أنك تقول:"جئت بلا شيء" فيعمل ما قبله فيما بعده؛ فإذ جاز أن يعمل ما قبله فيما بعده جاز أن يعمل ما بعده فيما قبله، فَبَانَ الفرق بينهما.
وأما ما ذكره أبو العباس ثَعْلَب من التفصيل -من أنه إذا كانت ردًّا لخبر جاز التقديم، وإن كانت جوابًا للقسم لم يجز- ففاسد؛ لأن ما في كلا القسمين نافية؛ فينبغي أن لا يجوز التقديم فيهما جميعا؛ لما بيَّنَّا، والله أعلم.