للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة تامة؛ لأنك تقول "انفكت يده" فتوهم فيه التمام، ثم استثنى، وهذا الوجه رواه هشام عن الكسائي.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه لا يجوز تقديم خبر "ما زال" عليها لأن "ما" للنفي، والنفي له صدر الكلام؛ فجرى مَجْرَى حرف الاستفهام في أن له صدر الكلام، والسّرّ فيه هو أن الحرف إنما جاء لإفادة المعنى في الاسم والفعل؛ فينبغي أن يأتِيَ قبلهما، لا بعدهما، وكما أن حرف الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله فكذلك ههنا، ألا ترى أنك لو قلت في الاستفهام "زيدًا أَضَرَبْتَ" لم يجز، لأنك تقدم ما هو متعلق بما بعد حرف الاستفهام عليه؛ فكذلك ههنا؛ إذا قلت "قائما ما زال زيدٌ" ينبغي أن لا يجوز لأنك تقدم ما هو متعلق بما بعد حرف النفي عليه.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إن ما زال ليس بنفي للفعل، وإنما هو نفي لمفارقة الفعل، والنفي إذا دخل على النفي صار إيجابًا" قلنا: هذا حجة عليكم، فإنّا كما أجمعنا على أن "ما زال" ليس بنفي للفعل أجمعنا على أن "ما" للنفي، ثم لو لم تكن "ما" للنفي لما صار الكلام بدخولها إيجابًا، فالكلام إيجابءَ و "ما" نفي؛ بدليل أنا لو قدرنا زوال النفي عنها لما كان الكلام إيجابًا، وإذا كانت للنفي فينبغي أن لا يتقدم ما هو متعلق بما بعدها عليها؛ لأنها تستحق صدر الكلام كالاستفهام.

وأما "ما دام" فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها لأن "ما" فيه مصدرية لا نافية، وذلك المصدر بمعنى ظرف الزمان؛ ألا ترى أنك إذا قلت "لا أفعل هذا ما دام زيد قائمًا" كان التقدير فيه: زَمَنَ دوام زيد قائمًا، كقولك "جِئْتكَ مَقْدَمَ الحاجِّ، وخُفُوق النجم" أي زمن مقدم الحاج وزمن خفوق النجم، إلا أنه حُذِفَ المضاف الذي هو الزمن، وأقيم المصدر الذي هو المضاف إليه مقامه، وإذا كانت "ما" في"ما دام" بمنزلة المصدر فما كان من صلة المصدر لا يتقدم عليه، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>