للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حروف الخفض ولا تنتصب بحذفها، كقولك: كفى بالله شهيدًا، وكفي بالله نصيرًا" ولو حذفت حرف الخفض لقلت: كفى الله شهيدًا، وكفى الله نصيرًا، بالرفع، كما قال رجل من الأزد:

[٩٦]

لما تَعَيَّا بالقَلُوصِ ورَحْلِهَا ... كفى الله كعبًا ما تَعَيَّا بِهِ كَعْبُ

وقال عبد بني الحَسْحَاس:

[٩٧]

عميرةَ وَدِّعْ إنْ تَجَهّزَتَ غاديًا ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا


[٩٦] لم أعثر لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق، وتعيا -بوزن تقضى وتزكى- ومثله تعايا -مثل تغاضى وتقاضى- وأعيا -مثل أهدى وأبقى- وتقول: أعيا عليه الأمر، وتعيا، وتعايا؛ إذا بهظه وأثقله وأعجزه والقلوص -بفتح القاف- الناقة، ومحلّ الاستشهاد به قوله "كفى الله كعبا" فإن المؤلف قد زعم أن "كفى" في هذه العبارة هي التي يقترن فاعلها بالباء الزائدة غالبا، وقد يجيء فاعلها غير مقترن بالباء كما في هذا البيت والذي يليه، وهو انتقال نظر من المؤلف، وبيان ذلك أن "كفى" على ثلاثة أضرب: الأول: أن يكون بمعنى حسب، وهذه قصارة لا تتعدى وهي التي يغلب اقتران فاعلها بالباء الزائدة، نحو قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} والثاني: أن تكون بمعنى وفى فتتعدَّى إلى اثنين، ولا يقترن فاعلها بالباء نحو قول الله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} ونحو قوله سبحانه: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} والثالث: أن تكون بمعنى أجزأ وأغنى، فتتعدى إلى واحد ولا يقترن فاعلها بالباء الزائدة نحو قول الشاعر:
قليل منك يكفيني، ولكن ... قليلك لا يقال له قليل
وأنت إذا تأملت أدنى تأمل تبين لك أن "كفى" في البيت الذي استشهد به المؤلف من الضرب الثاني الذي تكون فيه بمعنى وفى وتتعدى إلى مفعولين، وهذه -كما قلنا لك- لا يقترن فاعلها بالباء الزائدة لا في الغالب ولا في القليل، وسبحان الذي تنزه عن السهو والغفلة، وانظر -بعد ذلك- شرح الشاهد ١٠٢ الآتي:
[٩٧] هذا البيت لسحيم عبد بني الحساس، وهو من شواهد ابن يعيش "ص١٠٨٦ و ١١٤٨" والأشموني "رقم ٧٣٦ بتحقيقنا" ومغني اللبيب "رقم ١٥٣ بتحقيقنا" وأوضح المسالك لابن هشام "رقم ٣٧٩ وعميرة: اسم امرأة، وتجهزت: أي اتخذت جهاز سفرك وأعددته وهيأته، وغاديًا: اسم فاعل فعله غدا يغدو غدوًا -مثل سما يسمو سموًّا- وذلك إذا سار في وقت الغداة، والغداة -ومثلها الغدوة- الوقت من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ويروى في مكانه "غازيًا" وقوله "كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا، يروى أن عمر بن الخطاب سمع هذا البيت فقال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، والاستشهاد بهذا البيت في قوله "كفى الشيب" حيث أسقط الباء من فاعل "كفى" التي هي فعل قاصر لا يتعدى إلى مفعول وتدل على معنى حسب، وسقوطها في هذه العبارة يدل على أن الباء ليست واجبة في فاعل هذا الفعل، بخلاف اقتران الباء بفاعل "أفعل" في التعجب نحو "أكرم بزيد، وأعظم به" فإنها لازمة لا يجوز سقوطها.

<<  <  ج: ص:  >  >>