للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمام الخبر، فكذلك قبل تمام الخبر؛ لأنه لا فرق بينهما عندنا، وأنه قد عرف من مذهبنا أن "إنَّ" لا تعمل في الخبر لضعفها، وإنما يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها، فإذا كان الخبر يرتفع بما كان يرتفع به قبل دخولها؛ فلا إحالة إذن؛ لأنه إنما كانت المسألة تَفْسُدُ أنْ لو قلنا إن "إن" هي العاملة في الخبر فيجتمع عاملان فيكون محالًا، ونحن لا نذهب إلى ذلك؛ فصحَّ ما ذهبنا إليه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أن ذلك لا يجوز أنك إذا قلت "إنك وزيدٌ قائمأن" وجب أن يكون "زيد" مرفوعًا بالابتداء، ووجب أن يكون عاملا في خبر "زيد" وتكون "إن" عاملة في خبر الكاف، وقد اجتمعا في لفظ واحد؛ فلو قلنا "إنه يجوز فيه العطف قبل تمام الخبر" لأدَّى ذلك إلى أن يعمل في اسم واحد عاملان، وذلك محال.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ} [المائدة: ٦٩] فلا حجة لهم فيه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنا نقول: في هذه الآية تقديم وتأخير، والتقدير فيها: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك، كما قال الشاعر:

[١١٢]

غَدَاةَ أحلَّت لابن أَصْرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصَيْنٍ عَبِيطَاتِ السَّدَائِفِ والخَمْرُ


[١١٢] هذا البيت من كلام الفرزدق، وقد استشهد به ابن يعيش في شرح المفصل "ص١١٢٧" وابن هشام في أوضح المسالك "رقم ٢٠٥ بتحقيقنا"، وابن أصرم: هو حصين كما سيذكره بعد، والعبيطات: جمع عبيطة -بفتح العين- وهي القطعة من اللحم الطري غير النضيج، والسدائف: جمع سديف، وهو السنام، ومحلّ الاستشهاد في قوله "والخمر". واعلم أولًا أن قوله "أحلت لابن أصرم طعنة عبيطات السدائف والخمر" يروى على وجهين: الأول: بنصب "طعنة" ورفع كل من "عبيطات" و "الخمر" والوجه الثاني: برفع "طعنة" ونصب عبيطات بالكسرة نيابة عن الفتحة ورفع "الخمر" وهذه الرواية هي التي يقصدها المؤلف ههنا، فأما الرواية الأولى فتخرج على أن "طعنة" مفعول به في اللفظ وإن كان فاعلًا في المعنى، و "عبيطات" فاعل في اللفظ وإن كان مفعولًا به في المعنى، و "الخمر" معطوف على عبيطات السدائف، وقد أتى الشاعر -على هذه الرواية- بالفاعل منصوبًا والمفعول مرفوعًا على طريقة من قال: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وقد صرح ابن مالك بأن العرب قد يدعوهم ظهور المعنى إلى أن يغيروا من إعراب الفاعل فينصبوه وإعراب المفعول فيرفعوه، وأما تخريج الرواية الثانية فقد اختلف النحاة فيه، فمنهم من ذهب إلى أن "طعنة" فاعل أحلت مرفوع بالضمة الظاهرة، و "عبيطات" مفعول به، و "الخمر" فاعل بفعل محذوف يدل عليه الفعل السابق، وتقدير الكلام: أحلت الطعنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>