للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: ولا نسلم أن الهاء في قوله "لهنك" زائدة، وإنما هي مبدلة من ألف إنَّ؛ فإن الهاء تبدل من الهمزة في مواضع كثيرة من كلامهم، يقال: هَرَقْتُ الماء، والأصل فيه أرقت، وهَرَحْتُ الدابة، والأصل فيه أرحت، وَهَنَرْتُ الثوب، والأصل فيه أنرت، وهِبْرِيَة، والأصل فيه أبرية وهو الحَزَاز في الرأس، وهَرَدْتُ والأصل أردتُ، وهِيَّاكَ، والأصل إياك، وقد قرأ بعض القراء: "هِيَّاكَ نعبد" وقال الشاعر:

[١٣٢]

فَهِيّاكَ والأمر الذي إن توسَّعت ... مواردة ضاقت عليك المصادر

وقال الأخر:

[١٣٣]

يا خَالِ هلَّا قُلْتَ إذا أعطيتني ... هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْوَاءَ العُنُقْ

أراد إياك، وقد قال الله تعالى: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: ٤٨] قيل: أصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء، ولهذا قيل في تفسير {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} حافظًا عليه، وقيل: شاهدًا، وقيل: رقيبًا عليه، وقيل: قَفَّانًا عليه، وكل هذه الألفاظ متقاربة في المعنى؛ فدلَّ على أن الهاء في "لهِنَّكِ" مبدلة من همزة، ولهذا المعنى جاز أن يجمع بين اللام وبينها لتغير صورتها، وقد حكي عن أصحابكم فيه وجهان: أحدهما قول الفراء، وهو أن أصله: والله إنك لوسيمة، فحذفت الهمزة من إنَّ، والواو من والله، وإحدى اللامين، فبقي لهنك، والوجه الثاني -وهو قول


[١٣٢] هذا البيت أول بيتين رواهما أبو تمام في ديون الحماسة، ولم يعزهما ولا عزاهما أحد شراحه، والبيت الذي بعده هو قوله:
فما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر
وقوله: "إن توسعت موارده" وقع في رواية المرزوقي "ص١١٥٢""إن توسعت مداخله" والاستشهاد بالبيت في قوله "فهياك" فإن أصل هذا اللفظ "فإياك" فأبدل من الهمزة هاء، ونظيره قول الآخر. وأنشده ابن منظور "أيا":
فانصرفت وهي حصان مغضبه ... ورفت بصوتها هيا أبه
أراد أن يقول "أيا أبه" "وأيا" و "هيا" كلاهما حرف نداء، إلا أن "أيا" أكثر استعمالا من "هيا" فيدل كثرة استعمال "أيا" على أنها الأصل.
[١٣٣] هذا بيت من الرجز، وقد أنشده ابن منظور "ح ن و" عن اللحياني عن الكسائي، والحنواء -ومثلها الحانية- من الغنم: التي تلوي عنقها لغير علة، وكذلك هي من الإبل، وقد يكون ذلك عن علة، والاستشهاد بالبيت في قوله "هياك هياك" وأصله "إياك إياك" فأبدل من الهمزة هاء، وهو نظير ما ذكرناه في شرح الشاهد السابق، ونظيره قول الآخر وهو من شواهد مغني اللبيب "رقم ١٨":
فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح: هيا ربا

<<  <  ج: ص:  >  >>