للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم قولهم "ليل نائمٌ" فأضافوا النوم إلى الليل لكونه فيه، قال الشاعر:

[١٥٠]

لقد لُمْتِنَا يا أُمَّ غَيْلَانَ في السُّرَى ... ونِمْتِ، وما ليل المَطِيِّ بنائم

أي بمنوم فيه، ومنه قولهم "يومٌ فاجرٌ" فأضافوا الفجور إليه لأنه يقع فيه، قال الشاعر:

[١٥١]

ولما رأيت الخيل تَتْرَى أَثَائجًا ... علمتُ بأن اليوم أَحْمَسُ فَاجِرُ

أي مفجور فيه، والشواهد على هذا النحو من كتاب الله تعالى وكلام العرب أكثر من أن تُحْصَى؛ فدلَّ على أن المراد بقولهم: "مركب فاره، ومشرب عذب" موضع للركوب وموضع الشرب، وأضيف إليه الفَرَاهة والعُذُوبة للمجاورة على ما بيَّنَّا.

وقد أفردنا في هذه المسألة جزءًا استوفينا فيه القول، واستقصينا فيه الكلام، والله أعلم.


[١٥٠] هذا البيت من قصيدة طويلة لجرير بن عطية ثابتة في ديوانه "٥٥٣" وهي إحدى النقائض بينه وبين الفرزدق، وقد وردت في النقائض "ص٧٥٣ ليدن" والبيت من شواهد الإيضاح للقزويني "ص٢٧ بتحقيقنا" والسرى -بضم السين مقصورًا، بزنة الهدى- السير ليلًا.
والاستشهاد بالبيت في قوله "وما ليل المطي بنائم" حيث أسند النوم إلى ضمير مستتر يعود إلى الليل، وقد جعل الليل نائمًا بسبب كونه ظرفًا يقع فيه النوم، وقد ورد هذا الإسناد المجازي في كلام جرير نفسه عدة مرار، منها قوله يهجو البراجم:
وما علم الأقوام أسرق منكم ... وألأم لؤمًا منك قيس البراجم
لقد أمن الأعداء أن تفجعوهم ... وما ليل جارٍ حلَّ فيكم بنائم
ومنها قوله في ربيعه:
باتت ربيعة لا تعرس ليلها ... عني، وليلي عن ربيعة نائم
ونظيره قول الراجز، وهو من شواهد الإيضاح أيضًا "ص٢٦":
فنام ليلي وتجلى همي
[١٥١] لم أعثر لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، و "تترى" من المواترة، وهي التتابع؛ فهذه التاء بدل من واو، مثل التاء من "تخمة" و "تكلة" فإن أصل هذه التاء واو، وفي القرآن الكريم: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} قالوا: هو من المواترة وهي تتابع الأشياء وبينها فجوات وفترات؛ لأن بين كل رسولين فترة، ومن العرب من ينوِّنها فيجعل ألفها للإلحاق بمنزلة أرطى ومعزى، ومنهم من لا ينوِّنها يجعل ألفها للتأنيث مثل ألف سكرى وغضبى. وقالوا "جاءت الخيل تترى" يريدون جاءت متقطعة. وقوله "أثائج" هي عندي جمع وثيج، وقد قالوا "فرس وثيج" يريدون أنه قوي، وقيل: مكتنز، جمعوه على وثائج، ثم أبدلوا من الواو همزة فقالوا "أثائج". والاستشهاد من هذا البيت في قوله "أن اليوم أحمس فاجر" حيث أسند الفجور إلى اليوم بسبب كونه ظرفًا زمانيًّا يقع فيه الفجور، على مثال ما ذكرناه في شرح الشاهد السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>