للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى الجمع، فلما وضعت موضع "مع" خُلِعَتْ عنها دلالة العطف وأخلصت للجمع كما أن فاء العطف فيها معنيان: العطف، والإتباع؛ فإذا وقعت في جواب الشرط خُلِعَتْ عنها دلالة العطف وأخلصت للاتباع، وكذلك همزة الخطاب في "هَاءَ يا رجلُ" فإنها إذا ألحقتَهَا الكاف جردتها من الخطاب؛ لأنه يصير بعدها في الكاف، ونظير ما نحن فيه من كل وَجْهٍ نصبُهُمْ الاسم في باب الاستثناء بالفعل المتقدم بتقوية "إلا" فكذلك ههنا: المفعول معه منصوب بالفعل المتقدم بتقوية الواو، على ما بيَّنَّا، وهذا هو المعتمد عند البصريين.

وأما ما ذهب إليه الزَّجَّاج من أنه منصوب بتقدير عامل، والتقدير ولَابَسَ الخشبة لأن الفعل لا يعمل في المفعول وبينهما الواو. قلنا: هذا باطل؛ لأن الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتعلق به، فإن كان يفتقر إلى توسط حرف عَمِلَ مع وجوده، وإن كان لا يفتقر إلى ذلك عمل مع عدمه، وقد بيَّنَّا أن الفعل قد تعلق بالمفعول معه بتوسط الواو، وأنه يفتقر في عمله إليها، فينبغي أن يعمل مع وجودها، فكيف يُجْعَل ما هو سببٌ في وجود العمل سببًا في عدمه؟ وهل ذلك إلا تعليق على العلة ضدّ المقتضى؟ ولو كان لما ذهب إليه وجه لكان ما ذهب إليه الأكثرون أولى؛ لأن ما ذهب إليه يفتقر إلى تقدير، وما ذهب إليه الأكثرون لا يفتقر إلى تقدير، وما لا يفتقر إلى تقدير أولى مما يفتقر إلى تقدير.

وأما ما ذهب إليه الأَخْفَش من أنه ينتصب انتصاب "مع" فضعيف أيضًا؛ لأن "مع" ظرف، والمفعول معه في نحو "استوى الماءُ والخشبةَ، وجاء البردُ والطَّيَالِسَةَ" ليس بظرف، ولا يجوز أن يجعل منصوبًا على الظرف.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم "إنه منصوب على الخلاف؛ لأنه لا يحسن تكرير الفعل؛ فخالف الثاني الأول، فانتصب على الخلاف" قلنا: هذا باطل بالعطف الذي يخالف بين المعنيين نحو قولك: "ما قام زيدٌ لكن عمروٌ، وما مررت بزيدٍ لكن بكرٍ" وما بعد لكن يخالف ما قبلها، وليس بمنصوب، فإن لكن يلزم أن يكون ما بعدها مخالفًا لما قبلها على كل حال، سواء لزمت العطف في النفي عندنا أو جاز بها العطف في الإيجاب عندكم؛ فلو كان كما زعمتم لوجب أن لا يكون ما بعدها إلا منصوبًا لمخالفته الأول، وإذا كان الخلاف ليس موجبًا للنصب مع "لكِنْ" وهو حرف لا يكون ما بعده إلا مخالفًا لما قبله فلأن لا يكون موجبًا للنصب مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفًا لما قبلها كان ذلك من طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>